ذبابة بقلم عبيد العياشي تونس
ما الذي يجعل الذّبابة تزعجني اليوم.. لماذا تلحّ على الوقوف على شاربي مع أنّ فطوري هذا الصّباح لم يحتو لا على العسل ولا على البيض المسلوق. ترى هل قطعة من الجبن التّونسي رخيص الثّمن لا طعم ولا رائحة له هي سبب إثارة هذه الحشرة الكريهة. هل " الرّيقوتة " الماسخة لذيذة بالنّسبة لها إلى هذا الحدّ؟
أفتح الشبّاك وأحاول أن أوجّهها بيدي نحو الخارج فإذا هي تهرب باتّجاه العمق.. لا جدوى. أنفخ وأحرّك شاربي فتطير ولكنّها سرعان ما تعود إلى نفس المكان. وعندما تحطّ أشعر كأنّ وزنها زاد عن حجمه الحقيقي. الغريب أنها لا تخاف وعندما أهشّها تعود بسرعة إلى نفس المكان. أحيانا أقول لنفسي إن الذّباب في هذه المرحلة من الخريف يصاب بالغباء أو أن غريزة ما نجهلها نحن البشر تملي عليه هذا السّلوك الملح الغريب .
من الأفضل أن أترك مكتبي وأذهب لألقي تحيّة الصّباح على زملائي في بعض أقسام الجريدة لعلّ ذبابتي تتبعني وتبقى عالقة هناك.
ولكنّني ما إن أعود.. حتّى تظهر وتكون في استقبالي. هي لا تتبعني بل تظلّ هنا ترقب عودتي بشوق. يا لها من حقيرة، مصرّة على ازعاجي. حتى عندما لاحقتها بلفافة الجريدة لم أفلح في اصطيادها. لقد حاولت سحقها على مكتبي وكانت النّتيجة المؤكّدة انقلاب قهوتي على الأوراق وهروبها.
اللّعنة !..
ها هي تعود من جديد لتلعق هذه المرّة ما انسكب من سكّر مع القهوة. سأنال منها وعليّ وضع خطّة مناسبة لذلك، يجب أن أضرب بسرعة ليس عليها مباشرة وإنّما قليلا إلى الأمام باتّجاه إقلاعها.
ليت لي مسدس كاتم للصّوت !
إذا.. كنت قتلتها واسترحت.
وبشهقة غير مقصودة صادفت مرور الذّبابة بفمي المفتوح، شعرت بها تستقرّ بعيدا في أعماق مجرى قصباتي الهوائيّة. أيّ قرف هذا يا إلهي.. يوم كامل وأنا أحاول بكل السّبل أن أتقيّأ وأخرج كل أحشائي معها..
الذّبابة القذرة !
لقد نالت منّي حيّة وميّتة.
أحيانا ندخل حروبا خاسرة ولا طائل منها.. عنادا حسب.
ذبابة بقلم عبيد العياشي تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
21 أغسطس
Rating:
ليست هناك تعليقات: