هوامشُ مُطْلَقَةُ الهشاشةِ على مَتْنِ الكارثة...بقلم حسن الخندوقي / المغرب



▪ هوامشُ مُطْلَقَةُ الهشاشةِ على مَتْنِ الكارثة...

اليوم ،
أنهيتُ كتابةَ النص الذي سوف يصعق الوجود بحقيقتي
هذا ، إن كنتُ موجودا أو حقيقيا أو ذَا ذاتٍ.. أَصْلاً
في سبيل ذلك ،
زَجَجْتُ بِي في أَتُونٍ يتلظّى بين ثلاثِ أَثَافِيَّ/ مصطلحاتٍ مُدَجَّجَةٍ بالغموض :
الوجود - الحقيقة - الأنا
و سوف أَزُجُّ بِكُمْ فيه.. حَطَبا
و من أراد أن يكتويَ/يقرأَ ؛ فَلْيَتَّبِعْ سَبَبا

١- الوجود

يا سارتر
جدار يحجزنا رهائن لكل توجس من اللاوجود

و إن شئتَ ، يا ديكارت
هو اللاوجود يسعى نحو وجود هش بأسئلة الشك

يا فوكو ، هل أَجْدَتْكَ حفرياتُك المعرفيةُ
في اقتناص الوجود أو شيء من تُحَفِه
الموؤودةِ في عناصر الكون الضّاجَّةِ باحتجاج الإنسان
على الوجود و الموجود و مُوجِدِهما ؟

وحدة الوجود ، يا ابن عربي ، فلسفة زنديقة
أَغْرَتْ - و ما تزال - العقول بالتحدي
للعقول العشرة المتناسِلةِ من عقليات مريضة
بالنبش في نظرية الحلول : أنا/هو
فتوحاتك كانت مغاليق العقول
حتى أصابها فالج المعرفة
أين وجود الإنسان البسيطُِ في سيرورته
نحو النور... و قد جعلتَ الطريق ظلماتٍ
" بعضها فوق بعض
إذا أخرج يده لم يكد يراها "

أخبرهم ، يا حَلّاجُ ، أن مصيرك مصلوبًا
على باب المدينة في عهد السّّفَاحِ
كان نتيجة إبحارك في الشَّطحات الصوفية
بينما الوجود نهر رقراق بضفتين :
شهادةٍ و غيبٍ
تَعْبُرُهُ كل الكائنات ببساطةِ إيمانِ العجائز
فهل بلغتَ ما رأى مُريدُكَ إذ يسألك عن حَدِّ التصوف
فتخبره ، شاخصاً بصرُك نحو الوجود الحق هناك :
التصوفُ أَنْ تَبْلُغَ ما ترى

و هل أتاكم حديث مصطفى محمود إِذْ يُحْتَضَرُ :
ما أغباني إذ حولت بساطة الوجود
إلى مُرَكَّب عُقَدٍ
يمخر عباب الوقت بأسئلة كسيرة
و عين حسيرة عن رؤية هذه اللحظة
حيث الوجود يتجلى في احتضاري و ابتسامتي
حتى القملة التي في رأسي
سوف ترحل معي
و كم أحسدها لأنها لم تَطرح أسئلة
حول فلسفة الوجود و لن تُطرح عليها أسئلة هناك...

و يسألونك ، يا ابن الزاوية ، عن الوجود
فقل لهم : لستُ فيلسوفا و لا متصوفا و لا طبيبا
و لا حتى شاعرا
كي يكون لي تصور عن الوجود
أو مشروعُ وجودٍ مُوَازٍ للفيزيقا و الميتافيزيقا
فَكَمْ من أسفارٍ أُلِّفَتْ في معنى الوجود و نقيضه
و كم من الكتب السماوية
و كم من مواكب الأنبياء
و... و هذا وجود الإنسان يقبع في أدنى دركات الشقاء
فكأنما اللاوجود كان أولى من هذا الوجود...

إن كان لي تعريف للوجود
و ضمنه وجودي
بعد كل هذا الهراء
لقلتُ : كم وددت أن أكون تلكمُ القملةَ
لا يهمها إن كانت في رأس فيلسوف أو في رأس صعلوك
أو في رأس طفل
تُفَلِّيها يَدُ عجوزٍ عجفاءَ
و دون شعور بالذنب
تسحقها بين ظُفْرَيِ الإبهامين

كل الوجود هَمٌّ و وَهْمٌ
إلا القملةُ و أشباهها
موجودة دون هَمٍّ

٢- الحقيقة

وهم الأوهام خارج مرمى الموتِ
الْسِهَامُهُ مُرْسَلَةٌ نحو كل حَيٍّ
منذ استقبل الحياة بالصراخ
مراوغةُ السهامِ هي الحقيقةُ
الْتَجْعَلُ الخلقَ يدفع بعضُهم بعضاً
في معركة أبدية منذ معصية الشيطان و آدم
و إلى أن يفتح كل مراوِغٍ صدرَه
صاغرا كي يعانق سهم الحقيقة
راضيا أو ساخطا
ليس لأنه تَعِبَ أو أدى رسالته أو انتهى دوره
بل لأن السهم هو الحقيقةُ الْتَصْرَعُ الأوهام

تعريفٌ مُلْغِزٌ.. أعلم ذلك
لا تلوموا هدفا مقبِلا يعلن تعبه
و انتهاء دوره
دون أن يؤدي ، في حلبة المراوغة ، أَيَّ رسالةٍ
بل عاش يبحث عن سهمه بلهفة
كي يعانقه صاغرا و راضيا
ولكن السهم مراوغ ذكي شرس
و أنا ألهث في البحث حتى اعتراني
ضيق التنفس و الوسواس و الهلوسة

إن كان لا بد أن تلوموا
فلوموا رؤوس فتنة المعرفة
الذين حولوا المعركة
من مجرد مراوغة لسهم الحقيقة
إلى وهم معركة في رؤوسهم
حمي وطيسها بين الحكمة و الشريعة
ثم انقشعت عن جثث دون حصر
اقترفتها دون أدنى علم أو ندم
أيدي الدواعش

كل الحقائق وهم
ما عدا ذلكمُ السهم
الذي يحمل في رأسه الخلاص من الهم

٣- ال ( أنا )

تبا لك ، يا سيجموند فرويد
لولا ثُلاثِيَّتُكَ البئيسةُ
لَما احتاجَتْ أنايَ البسيطةُ
إلى كل استيهاماتِك النفسيةِ
التي تشبه الإستمناء
كي تَثْبُتَ في وجه ظلمات الأعماق
لو لم أَسْتَلْقِ على سرير بروكوست
لاحتفظتُ بكامل أنايَ
الآن... مبتورةٌ أنايَ من رأس اللفظ
و إخمص المعنى
أحاول أن أكتمل بالبلاغةِ
و ببعض البلاهةِ
كي أكتب نصا بهذا الحجم التِّنّيني
حالِماً أن أرفع قَزَمِيَّتي
إلى مَصَافِّ الشعر
أو الميتا شعر.. كما يريد الحداثيون
و الهدف ماذا ؟
لا غاية لي ، و لا لهذا النص الناري
إلا أن أرفع درجة الغليان في دمي
عسى البركان الخامد يقذف
الحمم المكبوتة في عوالمي المبتلَعة
منذ أن فجَّرتُ كل المدارس
و اسْتَعْصَتْ مدرسة العبث على الإنفجار
بيرتولد بريخت لُغْمٌ كامنٌ
في لُغَتي
و للآن لم أَدُسْ على الكلمةِ المفتاحِ
رغم أني أكتب منذ أكثرَ من نصف عمري
و رغم أني أركض دون اتجاهٍ
و دون بوصلةٍ
و دون احتياطاتٍ شعريةٍ
تنبهني أو تحذرني
حين وصولي إلى مَكْمَنِ الإنفجارِ
حيث أخفى القدرُ اللغمَ/اللغز

                                                                                                 
أَيُّ هَمٍّ هذا الذي أنوء به
منذ خمسين خيبةً... و كارثة ؟!!!
هذا الهم وحده ليس وهماً
بل حقيقتِيَ الناصعةُ الساطعةُ الصاعقةُ
لي وحدي... و كُلُّكُمُ استثناء
لقد اسْتَفَلْتُ إلى دَرَكٍ من اللاشيء
يستحيل منه الإرتقاء
إلى أدنى درجة في سُلَّم الإمتلاء .

                                      ****************

الوجودُ مِحْبَرَةُ مِدادٍ أسودَ
لا يَنْضُبُ ، أيها الفلاسفةُ
و العالِمون و الشعراء
الحقيقةُ ريشةُ غرابٍ أسودَ
عالمٍ بمراسيم الدَّفْنِ
و عوالم الظلمات ، أيها الأحياء
و ال ( أنا ) صفحةٌ بيضاءُ - كَانَتْ -
تَلَطَّخَتْ بمداد الوجود و ظلمة الحقيقة ،
أيها الجِرْمُ الصغيرُ الضائعُ في هذا العالَم/الخلاء

و ما زال هذا النص يحتج على النهاية التي أرسمها له
في مخيلتي...
منذ خمسين خيبةً... و كارثة !!!؟
لأنه يعلم أن الوجود سوف يرميها في غيابات جُبِّ حقيقةٍ
يحفرهُ لِيَ القَدَرُ بكل دهاء
لن تسطيع أنايَ - و لا سياراتُ الكون -
أن تتكهن بجوهرها و لا حتى بمظهرها
لِذَا ، سوف أكتفي - كما سيكتفي أي عابرٍ -
بإطلالةٍ عابرةٍ
ثم إلقاءِ حَجَرٍ نحو القعر المُدْلَهِمِّ
ولكن... لن نسمع - أجمعين - إلا ارتطامَ حجرٍ بحجرٍ
يحتج على نضوب القَعْرِ من الماء و المعنى معاً
و سوف يستمر الصدى المفجوعُ سارياً في المدى
إلى أن يبلغَ الصدى مداه
أو يَرُدَّ المدى صداه...

لا وجود لي سوى حقيقتِيَ الجَافَّةِ من الماء و المعنى ، يا أنا
لا حقيقة لي إلا وجودِيَ الذي لا صدى لَهُ في مداهُ ، يا أنا
لا أنا لي إلا إذا تَدَثَّرَ الوجودُ بحقيقتِيَ المشتهاة
أو إلا إذا اعتذر الوجودُ عن وَأْدِ حقيقتي
أو إلا إذا اندثرتِ الحقيقةُ في ثنايا وجودِيَ الهَشِّ
فَلَرُبَّتَما أَنْبُتُ أَنَا جديدةً كَثُوَيْجٍ يُبَشِّرُ بالحياة
و هَيْهاتَ.. هَيْهاتَ.. هَيْهات...
إِذْ حينَها ، سوف أكون قد بلغتُ حُلْمَ أَوْ حُلُمَ المَمَات .

                        ح - خ  ( ابن الزاوية )
هوامشُ مُطْلَقَةُ الهشاشةِ على مَتْنِ الكارثة...بقلم حسن الخندوقي / المغرب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 ديسمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.