مصافحة باردة .....بقلم هيثم الأمين / تونس




لا أحد يلوّحُ من النافذة
للكرسيّ الذي يجلس وحيدا تحت الشجرة.
من الشّرفة،
المملوءة بالفراغ
و المسكونة بآخر قبلة صيفيّة تلصّص عليها الفجر،
لا أحد يلوّحُ
للقبر الذي يقطن الزّاوية ذات القبّة الخضراء.
 وحده الطّريق
يلوّح لغيمة باكية
و يركض هاربا من المدينة !
في قريتنا،
عندما كنت طفلا،
كنت ألوّح لحافلات السيّاح
تلك المخلوقات التي لا تشبهنا في شيء
و على شاطئ "الدزيره"
كنت ألوّح للطائرات أيضا
و أتساءل: هل يبيض هذا الطّائر الكبير جدا
هذا الطّائر الأكبر،حتّى، من حضن جدّتي؟ !!
مازال الأطفال، في قريتنا، بلوّحون لتلك المخلوقات التي لا تشبهنا في شيء
و مازالت تلك المخلوقات لا تلوّح لأطفالنا
و الطّريق الذي جاء هاربا من المدينة
ابتلعه عشّ الطائرات
فدودة بكلّ ذلك الحجم
حتما ستكون وليمة لكلّ تلك الطيور الأكبر من حضن جدّتي.
في المدينة
لا أحد يلوّح لنا
نحن المخلوقات التي
تمشي ببطء،
تقرأ كلّ اللافتات،
تلوّح للمقاهي الفارغة،
تغيّر مسارها كلّما اكتشف وجود تجمّع بشريّ في آخر الشارع
و تسأل كثيرا
عن العناوين،
عن الوقت،
عن الخارجين عن المدينة،
عن آخر قطار سيصل ليغادر
و عن محصول الزيتون و التّمر و عن محصول الحظّ.
المدينة
لا تحبّ التّلويح و لا الملوّحين
و تصافح ببرود...
مصافحة باردة .....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 ديسمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.