قراءة انطباعية بقلم الشاعر و الناقد أحمد إسماعيل / سوريا في نص الشاعر:ليس نبيا للشاعر فتحي البوزيدي/ تونس




أجمل مافي النثر أن يكسر كل قواعد الجمال هو يشحن في الجمال بعنصر الجاذبية و هو يداعب السطر بكل جنون الدهشة و المفارقة ليكون طبقا خالصا من الجمال
وهنا نجد أن الشعر رسالة ويقع كاهلها الكثير في سبيل نهضة الأمم والانفتاح بفكرهم 
الشاعر المبدع هنا وضع عنوانا صادما وهو الشاعر ليس نبي
ليطرح تساؤلا عميقا لكل من سيقبل على متابعة القصيدة
ليسأل القارئ نفسه كيف يقارن الشاعر نفسه بنبي
و النبي يقدم المعجزات الخارقة للعادة
فمن للشاعر المعجزات حتى يقارن نفسه بنبي
لكن هنا ترك مدخلا أيضا للتأمل وهو أن النبي له رسالة يبلغها حتى يغير كل أمر تشبث بالجهل والتفكير الخاطئ
وهذا الخط. هو موازن للشعر فالشاعر لديه رسالة وهو يحاول قدر المستطاع بتغير المفاهيم الخاطئة بشعره و بكلمته الحرة
ليكون هو المفكرون في زمانه قدوة لتغير المجتمعات
لذلك
وبما انه خط موازن ابتدأ الشاعر قصيدته بقوله
بعض المعجزات سيئة
لاحظوا مدى الدهشة في مطلع النص
هو اتخذ منحى عكسي للمعجزة
اعتبرها سيئة
لنسأل أنفسنا هل المعجزة حقا سيئة
لماذا أراد الشاعر أن يسير في هذا المنحنى
الجواب كان بسيط في السطر الثاني
وهو له عمق في العنوان
حتى لايكون دمه نبيذا
النبي معصوم فمن يعصم الشاعر ويحمي دمه والسلاطين يعتبرون قتله عبرة لذلك يمثلون به أشد أنواع العذاب
بتهمة بعيدة عنه
ألا وهي السحر و الجنون
وهذه نفس التهم التي اتهم بها الأنبياء وحتى يجعل الشاعرالمبدع  ميزة للشاعر وضع عبارة إغواء الموتى
الموتى هم هنا مجاز صارخ لكل شخص يعيش وهو ميت
وبمعنى أدق هم الصامتون
فالكلمة الحرة توقظ فيهم المشاعر  وتغير من طريقة ردات فعلهم  بشكل إيجابي وهنا الإشارة أنها لا ترضى بالذل في وطن يحكمه الاستبداد
لذلك كان وصف الشاعر ان الحكام يصنعون من دمائهم نبيذا
هم في وجه الآلة الاستبدادية
في المقطع الثاني
يبدأ الشاعر بوصف معجزات الشعر
كيف تتحول الكلمة الحرة إلى سكين حاد
(تتقن بها ذبح نفسك)
هنا ليس القصد قتل النفس
هذا مجاز فاخر القصد منه اتقان ذبح الصمت الذي بداخلك
(من الوردة إلى الدم)
هنا المجاز عميق جدا
الوردة هي رمز للحياة والتمسك بها
والدم هو رمز للتضحية و الفداء
وهنا يستقيم المعنى حين تتحول ذات الإنسان لتترك كل جمال الدنيا  في سبيل التضحية من أجل عيون وطن
(من قطرات الندى إلى الدمع)
هنا لحظة تأمل مذهلة في الانزياح
الندى هو مايداعب وجنات الزهر مع الصباح وهي ترمز إلى الإشراقة
لكن الشاعر حولها لدمع
وهذا تكثيف عال سينمائي المشهد أخرجه الشاعر ببراعة
فعندما ترى إشراقة روحك في جمال وطن تبكي على الأيام التي أمضيتها و أنت خانع ذليل

لذلك الشاعر أراد أن يجعل من حوله يتمتع بتلك الإشراقةمن خلال توضيح الطريقة
(تتبع مفاصل أصابعك
اقطعها
اقطع رؤوس الحروف)
المفاصل هي العظام التي تساعد على الحركة بل هي من ترسم ديناميكية الجسم
وهذا مجاز مذهل فالشاعر أراد أن حركة هذه المفاصل معجزة عندما تمضي وتحلق فوق الورق
لذلك قال الشاعر اقطعها
أي اقطع صلتها بالصدأ و الصمت واشحذها بالعمل
اقطع رؤوس الحروف
هنا توجيه عميق من الشاعر ان القطع لايكفي يجب أن يكون هناك نهضة لتكون سدا ضد انظمة الاستبداد الذي عبر عنهم مبدعنا برؤوس الحروف
فقطع رأس الحرف يجعله بلا معنى على السطر
بعدها يشير الشاعر إلى أسباب طلب تلك النهضة
الأطفال الجياع وهنا ابتعد الشاعر عن التفكير بهم كأسرة هو يفكر بهم كأطفال وطن
لذلك استشهد بقوله هم لن يشبعوا بقصائدك التي تطبخها صباح مساء عن الحب
اجعل الحب يسمو
كيف ذلك بسيط جدا
(أعد قطعا من لحمك لحفل شواء)
هنا الوصف المذهل لمعنى التضحية
وذلك بتعليم النشئ معنى البطولة والرجولة من خلال التضحية
و أضاف كلمة لا ضير
حتى يترك مجالا لتساؤل النشئ
من خلال تحويل اللحم لعجلة مطاطية ههههههه
هذه ليست معجزةكمال يتخيل البعض
هذا مجاز عميق ومذهل حيث أن العجلة هي أداة الحركة في المركبة وهي التي تساعد على زيادة سرعتها
هنا وجه الشاعر هذه الصورة ببراعة فقد أراد أن نترك الصمت ونخرج للشارع ونسمع الأنظمة الاستبدادية أننا لسنا راضين عن سياستهم
ولا ضير أن كان الثمن الشهادة حين يلتصق لحمك بإسفلت الشارع ليكون أثرا من المستحيل أن يمحى
فذلك الأثر يبقى مشتعل ليمحو ليل الظلم
لون واحد من الطعام لايكفي
ههههه
هنا يسخر الشاعر من واقعه
والمعنى أن تلك المعجزة لا تكفي لوحدها
وأنه سيظهر لهم معجزة اخرى للشعر بقوله
لا ضير إن كانت يابسة مثل عظام الكلاب
الله على عمق المجاز هنا
هنا يبعث الشاعر وصية عميقة
العظم اليابس هو رمز للصلابةو الصمود وحين تكون مقترنة بالكلب فهذا يعني أنه يوصي بالوفاء و الإخلاص أيضا 
و التحرر دون شك يحتاج للصلابة و الصمود و الوفاء و الاخلاص
لذلك استبعد فكرة المرض حين تكتمل هذه الصفات من خلال استبعاده لاصابة الكلاب بالروماتيزم
في المقطع الثالث
يتحول الشاعر ٱلى وصية أعمق
وهي بقوله إياك بالهروب والهجرة
خبئ أطفالك في قلب الوطن  دعهم ينبضون بحبه يتنفسونه عشقا
طبعا الشاعر كنى عن الرزق بالحطب لأن شيء يحترق كالنقود بمجرد التداول
فكل من يغادر الوطن يغادر ليغير من وضعه
وهنا كانت لهجة الشاعر بطريقة العتاب كيف تهجر الوطن من أجل شيء زائل سيحترق
لذلك كانت طريقة خطاب الشاعر  بطريقة محنكة فيها الكثير من الترغيب وبعيدا عن الترهيب وهو هنا يتمثل بصفات النبي في دعوته فلو أرغم الناس لاجتنبوه
لذلك قال شاعرنا
لا تبتعد كثيرا
لست أهلا للغربة
ليسو أهلا لليتم
فهو هنا يشير إلى أن الوطن أم
فكيف تجعلهم يعيشون بدون حضن أم  وهي حية
كيف تميت أمهم في نظرهم
وكل هذا ليشعل النور في صدره ويبعده عن دائرة الصمت
وهنا بعد ترسيخ الوعي يوجهه الشاعر ان يأخء مكانه في الساحات ان يترك بصمته و أثره
(جباه الفوانيس احترقت)
هنا إشارة إلى أن من اوقدوا شعلة الأمل يكاد نورهم أن ينطفئ
خذ مكانك ولا تدع تلك الشعلة تنطفئ
لذلك شبه الشاعر النار بالفاكهة
كم يحترق الفلاح وهو يعد الشهور و السنين ليتذوقها
وهنا إشارة إلى ضرورة العمل دونما انقطاع
لكن الشاعر أراد ان يجعل من الكلمة خلاقة
فقال اجمعها بلسانك
هههههه هذه معجزة تحسب للشاعر
مجاز محلق
وهنا القصد اجعل من صوتك الحر يجمع النور حوله
صفقت كثيرا للشاعر هنا  حقا مجاز  يتنفس الابداع
طبعا الاصابع كانت وسيلة قديمة للعد
وهنا الشاعر استخدمها ببراعة
حتى لايحصي بيديه لهفة الانتظار  وهو يشاهد فجر الوطن
ثم ينتقل الشاعر ليصنع خاتمة النص ويرسم كيف تدور الأحداث في حقيقة الواقع
لذلك استشهد بتناص المائدة
والله هنا القصد به الحاكم
لذلك صنع مشهد الموائد ببراعة بقوله تصاب بنزلة  اي بالمرض
و هنا يحلق بنا الشاعر كيف يستخف انظمة الاستبداد بالشعوب حين يقدم لهم الخطط البديلة
ههههه
كتغير الحكومات او بعض الحقائب الوزارية وبلغة قريبة إلى القلب تغير الطرابيش
لذلك يبرئ الشاعر ساحته من فكرة النبوة
هو لا طريق لتحول الشعوب إن صمدت وتابعت نضالها
وإلا ستبقى رهن الاستخفاف و الخطط البديلة التي تعتبر كإبر بنج تسكت الشعوب
وهنا يعود الشاعر ليتكوين فلسفته الدائرية للنص بالعودة للعنوان ومطلع النص
الشاعر يضحي بفكره ودمه لينير الدروب
علما هو من يكون في مقصلة العقاب
لذلك معجزاته لا تكتمل بالتحرر إلا بالتزام وصاياه الصمود و الصلابة و الوفاء
وماه اشار في قفلته أنه يضحي بنفسه ليكون قدوة
يجعل من حزن وهمه هم وطن وشعب
هذا النص المبحر بالمجاز يذكرني بكتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي

حقيقة نص باذخ الجمال
استخدم الشاعر المبدع فيه عظمة لغتنا العربية وعمق معانيها بحرفية و براعة
فالنص كان يتمتع بإيقاع عال متصاعد يرسم فيها الشاعر معنى ان يكون الحرف رسولا
وهذا رسالة يوجهها لشعراء اليوم الذين يقع على عاتقهم هذا الأمر هم و كل يدرك معنى للحرف وقع أحد من السيف
ترفع القبعة لكل هذا الجمال
محبتي وقوفل ياسمين
بقلمي أحمد اسماعيل / سورية

نص الشاعر المبدع
الشّاعر ليس نبيّا

بعض المعجزات سيّئة
الشّاعر ليس نبيّا ليصير دمه نبيذا..
هو فقط متّهم
بالسّحر
        بالجنون
                بإغواء الموتى
أسوأ المعجزات:
قلم يسقط,
يصير سكّينا.
الشّعر:
 أن تتقن ذبح نفسك
 من الوردة
 إلى الدّم..
من قطرات النّدى
 إلى الدّمع.
تتبّع مفاصل أصابعكَ
اقطعها..
اِقطع رؤوس الحروف.
أطفالك الجياع
لا يحتاجون أن تطبخ قصيدة.
أعدّ  قطعا من لحمكَ لحفل الشّواء
لا ضير
 إن كان اللّحم بنكهة عجلة مطّاطية فتّتها السّير على إسفلت اللّيل.
لونٌ واحدٌ من الطّعام لا يغري الصّغار.
أضف شيئا من عظامك إذن.
لا ضير,
إن كانت يابسة مثل عظام كلب.
لا أصدّق أنّ  الرّوماتيزم يعشّش في عظام الكلاب.
ماذا لو خبّأت أبناءك في تجاويف قلبك المفتوح و أنت تبحث عن الحطب؟
لا تبتعد كثيرا.
لست أهلا للغربة..
ليسو أهلا لليُتم.
كفكف الجمر من عينيْ رفيقتكَ.
 الحمّى موقَدةٌ على أطراف المدينة..
جباه الفوانيس احترقت..
رمادٌ في صدور الفقراء, تنفخ عليه خطى العابرين.
النّار فاكهةٌ.
اِجمعها بلسانك,
لِتَشْوِي قطع أصابعك المصفّفة على مذبح الانتظار. 
موائدُ الله
تُصَاب بنَزْلة رحمة كلّما قرأ رئيس عربيّ آيةً انتخابيةً.
بعض المعجزات سيّئة.
الشّاعر ليس نبيّا,
لينتظر مائدة تنزل من السّماء.
هو فقط متّهم
بِعصر النّبيذ من دمه,
                      بإعداد وجبة شواء من أصابعه,
                                                بالهجرة من حزنه إلى حزن المدينة.
_________فتحي البوزيدي_______تونس_______
قراءة انطباعية بقلم الشاعر و الناقد أحمد إسماعيل / سوريا في نص الشاعر:ليس نبيا للشاعر فتحي البوزيدي/ تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 06 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.