الأدب مأساة أو لا يكون .. بقلم الأديب و الناقد التونسي فتحي جوعو في قراءة لنص الشاعرة السورية فاتن عبدالسلام بلان
"الأدب مأساة أو لا يكون " قول نافذ للمفكر والأديب التونسي محمود المسعدي يعطي للخلق الإبداعي مهما كان جنسه شرعيّة وجوده منذ الولادة إلى النشوء والنضج حتى الانتشار ...ولعلّ هذا النص الشعري " خيبة برائحة الموت" للشاعرة المتميزة فاتن عبد السلام بلان يجسم بعمق ما تعيشه الإنسانية من مآسي وآلام منذ عهود أفضت إليها الحروب متنوعة الأشكال والستراتيجيات عانى من ويلاتها الإنسان المستضعف والمستهدف من قوى عالم العولمة مستعملة لتحقيق أهدافها كل الآليات والوسائل الحربية القاهرة التي لم تخلف عند البشرية إلا تلك العبارات ذات المعاني الموجعة التي أثثت بها الكاتبة قصيدها ، فرسمت بها لوحة شعرية يمن تسميتها "تراجيديا الإنسان" في زمن لم يعد له معنى إلا فيما يخلفه من أعراض تجسد المعاناة البشعة والموجعة ك: "الخراب و البنادق و الشيخوخة و النزيف والرؤوس المفتقرة للمخيّلة وكذلك الزهايمر والجوع وما أدراك ما الجوع... أظف إلى ذلك شراهة الحروب والتعطش إلى الموت والدمار الشامل الذي ألحق بكثير من البلدان حاصة على الأراضي العربية الشرقية وغيرها من البلدان التي فقدت هويتها وسيادتها و"إنسانيتها" ... كيف لا يحس الأديب والمفكر والشاعر وغيرهم من ما يزال يملأه الحس الإنساني كحال الشاعرة فاتن بهذه الوضعية الرمادية المأساوية التي لم يزدها جموح "الوباء الفيروسي الكوروني" إلا مأساة مضاعفة شملت الإنسانية جمعاء وهو ما يبرر ترمّل الشاعرة وعقمها ويصف خيبة المسعى واليأس من الإنسانية التي لم تساهم بما أنتجته من وسائل وأجهزة وآليات متطورة جدا وما وظفته من سياسات تيتمت في مناخ العولمة القاتلة للقيم إلا ارباكا للأرض وانتحارا للإنسان ....ويبقى الأدب بصفة عامة والشعر خاصة وليد هذه المآسي ويستحيل بالضرورة إلى سلاح ذي حدين فهو بقدر ما يبدع في وصف ورسم الصورة المأساوية التي تعكس واقع الإنسان اليوم، وهذا ما ظهر بوضوح في قصيد " خيبة برائحة الموت" للشاعرة فاتن عبد السلام وكأنها في ثنايا القصيد وضمنياته عبرت عن خيبة أمل من تردي الوضع الإنساني فأطلقت صيحة فزع مخيفة منذّرة بهلاك الإنسان في حالة تواصل كل الأوبئة بيولوجية فيروسية كانت أو مادية حربية، لكنها وهذا الأهم لأنه يعطي للنص أهدافه وغاياته المتمثلة في عامل اليقظة التي تلح عليها الكاتبة وتجبر بها الإنسان على الأرض إلى إعادة ترتيب بيته ومراجعة سلمه القيمي بحثا عن الخلاص بالتفكير معا "أي كل من تطأ قدماه هذه الأرض" لبناء مستقبل إنساني جديد.
النص
خيبة برائحة الموت
***
لمْ يُبقِ الخرابُ
حمامةً في المحابر
بقيّةُ الأشعارِ
وجوهٌ مُستنسخة
تَلْسِنُ بـ الذخائرِ وبُصاقِ البنادق
هناكَ على قيدِ اللعب
مُصابٌ بـ شيخوخةٍ مُبكرة
يمسحُ بـ ثوبِ أمّهِ
دمعَ أرجوحةٍ ونزفَ دمية
و بـ رأسٍ دونَ مخيّلة
يقفُ مثْلَ فاصلةِ توحّدٍ
وزهايمرٍ بينَ دُخان
لمْ يُدركْ قبلَ الجوعِ
طعمَ اليُتمِ في شراهةِ الحرب !
و فداءً لـ بؤبؤِ البراءة
أنا ربيبةُ الضوء
أنسلُ خيوطَ الماءِ
من تُرابٍ وشاهدة
أحصصُّ فُستاني
بياضًا في نشيدِ الموت
وأرمي عقودي
زوارقَ لـ الغرقى
وحصىً لـ العشاق
مُذْ كنتُ قُبلةً على شفاهِ النهر
وزواجلي رسائلُ محْشوّةٌ
بالتنّورِ والخُبز
وأضلاعي تدّخرُ
طفولةً في مهبِّ الطائراتِ الورقية
وصندوقُ ذكرياتي
حكاياتٌ تشمّستْ على حبلِ الوطن ..
أيُّها الملثّمون ::
مَنْ كسرَ زُجاجَ الشمسِ
في شبابيكِ الصباح
وعلّقَ الظلالَ مشانقَ
في الغابات
وقد نذرتُ قصائدي
قناديلَ للنَجَاة ؟
ياللخيبةِ المدسوسةِ بالنار !
أتوعّدُ بـ الإطفاءِ
لـ عودِ ثقابٍ
فقدْ هجّرَ العصافيرَ
ورمّدَ الأعشاشَ
وساومَ على فحولةِ الأغصان ..
وها هي خيبةٌ أُخرى
بـ رائحةِ الموت
أهذا عودُ ثقابٍ
يجزُّ البلادَ قرابينَ
في حفلِ شواء
ويُطلقُ الرمادَ لـ عنقاءٍ
تُضمّدُ بـ جناحيها فتوقًا
وسماءً فارهةً بـ الاحتراق ؟
بتُّ الآنَ أرملةَ الشِّعرِ
عقيمةَ القوافي
سرقني الرصاصُ أجنْتي
وتركَني بـ تسعةِ أصابعٍ إلا سبّابة
أتحسّسُ بـ خيبةٍ أخرى
اِرتجافَ أمومةٍ وسُباتَ حليبٍ
في غرفةِ الإنعاش
وأنا فاحشةُ العُقرِ فارهةُ العنوسة
يا ويلاه.. !! . .
**
#فاتن_عبدالسلام_بلان
الأدب مأساة أو لا يكون .. بقلم الأديب و الناقد التونسي فتحي جوعو في قراءة لنص الشاعرة السورية فاتن عبدالسلام بلان
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
13 أبريل
Rating:
ليست هناك تعليقات: