أتعلمين يا أمي ...بقلم سيليا عيساوي / الجزائر



هه أتذكرين حين كنت في الخامسة ،كنت كثيرا ما ألعب بصدرك وأنام.
كانت اختي كثيرا ما توبخني ،كانت تقول اني كبرت على ذلك!
كنت طفلة شقية طائشة وبكاءة .وكم كنت أزعج جدتي بصوت بكائي الحاد حينما تغيبين .
وكانت كلما حاولت ان تخرسني بقطعة شكولاطة ،كنت القي بها أرضا وأصرخ بصوت أكثر حدة "أرييد أمي"
بلغت السادسة ودخلت المدرسة وكان اول يوم مدرسي مميتا ،مميتا جدا لي!
هه لازلت اذكر جيدا كيف تسللت من بين يدي والدي في منتصف الطريق
وكيف ركضت نحوك بتنورتي "الجينز"القصيرة وشعري المشدود على هيئة ذيل حصان يهتز كلما اهتززت .
هه أتذكرين كيف ألقيت بجسدي النحيل كله عليك وكيف تكورت في حضنك كما تتكور القطة البرية على صغارها.
كنت خائفة ،خائفة جدا من العالم وخائفة اكثر من غضب والدي!
بلغت الثامنة عشر وصرت "امرأة" هه كم كنت اتحرج من هذا المصطلح ،كم كنت انزعج وكم كانت ألوان وجههي تتبدل كلما سمعت إحداهن تقول :"لقد كبرت ابنتك سيليا وصارت امرأة"
كنت العنها داخلي كثيرا واشتمها "اخرسي ،اخرسي ايتها الشمطاء"!
كنت اخاف أن اكبر في نظرك جدا !كنت اريدني دائما أن اظل تلك الفتاة الصغيرة المدللة الطائشة.
كبرت وصرت افوقك طولا وعرضا يا امي ،كبرت وصرت كلما أردت معانقتك انحني بقامتي إليك !
أتذكرين أول يوم أغادر فيه البيت ،كانت اول مرة أبتعد فيها عنك ،هه كانت الرحلة إلى السكن الجامعي.
أتذكرين ؟
لم أرض البكاء يومها ،أجبرت غددي الدمعية على عدم تجاوز عتبة مقلتي ..ولم أبك!
لم أكن أصدق اني وصلت الى السيارة حتى القي بكل ثقلي على الكرسي الخلفي .
كانت دموعي تخنقني وكانت رعشاتي المتقطعة تهز كل جسدي بعنف!
أتعلمين يا أمي ...إلى اليوم !
كلما تذكرت صورتك وانت تقفين على عتبة البيت تلوحين لي مودعة بإنحناءات ظهرك!
اشعر بثقب في الروح وبشلل على مستوى الحنجرة كلما حاولت فيها ان اناديك "أمي"يخرج صوتي متقطعا متهدجا ،مختنقا ،مائلا الى البكاء!
أتعلمين يا أمي ...بقلم سيليا عيساوي / الجزائر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 31 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.