الرواية الجديدة و الأنساق التاريخية ..بقلم هدى الهرمي / تونس
الرواية الجديدة و الأنساق التاريخية
ظهر مؤخّرا نمط جديد في غالبية الاعمال السردية تعتصم بالتاريخ في تشكيل علاقة وطيدة بين الحقيقة و الخيال، لتشحنها اللغة بوسائل القصّ و تناصية الماضي، لكنها تخضع لمنعرج لساني يتفاعل مع الأنساق التاريخية كعملية اعادة بناء. و في هذا المضمار و حسب رأي الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، و هو احد أهمّ المفكرين في النصف الثاني من القرن العشرين، " ان الادب ليس لعبا بالخيال و لا يمكن تجريده من اهدافه المضمرة كما انه ليس نزوة متوحدة لدماغ مهتاج ".
فهل تعتبر الرواية صيغة جديدة في كتابة التاريخ و هي تمتد و تتّسع في تصويراتها و سردياتها كأسلوب أنثروبولوجي ؟
منهجية التاريخانية الجديدة
تسعى التاريخانية الجديدة الى فهم العمل الأدبي ضمن سياقه التاريخي و ذلك إيمانا بان التاريخ هو العامل الأساسي المؤثر في أحوال البشر، و بالتالي يعدّ الأثر الادبي نتاج زمان و مكان اكثر من كونه عمل منفرد في ابتكاره باستحضار الماضي و الاحداث التاريخية.
لقد شاع مصطلح التاريخانية و بات متداولا في الدراسات الأدبية، و تُعتبر مدرسة من مدارس النقد الادبي التي ظهرت في ثمنينيات القرن العشرين بالولايات المتحدة الامريكية، ضمن أعمال المؤرخ الأدبي و الناقد ستيفن غرينبلات، خصوصا في كتابه " الصدى و الاعجوبة " . انها تشكّل الممارسات النقدية التي تنبع أساسا من استكشاف علاقة النص الأدبي بالمؤثرات الاجتماعية و السياسية الأبرز و علاقته أيضا بالسلطة و القوّة.
كما تستلهم كثيرا من نظرية الأنساق الرمزية و الثقافية التي أسهم في تطويرها كمنهج د.كليفورد غيرتز مؤسس المدرسة التأويلية في الانثروبولوجيا عبر تطرّقها الى صراع الافكار الدينية و السياسية من خلال أثر القوى و الافكار المهيمنة في ذلك العصر.
و في مقاربة لهذه النظرية اكدّ فوكو على أهمية الادب بغاياته المتعددة من خلال قوله " ان قصيدة شعرية عظيمة و رواية رائعة و اعترافات رجل متفوق ، لهي تثقيفية أكثر من ركام المؤرخين بقصصهم " .
لقد استطاعت الرواية ان تصبح فاعلة اكثر من مجرّد جنس ادبي يحوم حول الافكار الشاردة و الخيال الخصب الى التوجّه نحو البحث و التقصّي، لتغدو منفتحة على هذا المنهج المبتكر دون السقوط في جحر التاريخ المجهري ذو الشروط و الخصائص المكثفة. لكنها وثيقة العلاقة بالانثروبولوجيا، الأمر الذي انتج سلسلة من الاعمال السردية التي تصبّ في هذا المنظور. و هي معنيّة ايضا بالمنهج الأركيولوجي الذي يقوم على الحفر في ثنايا الخطاب الروائي و في تقاطعاته المعرفية مع اجناس فنية و أدبية اخرى...
ملاحظة: مقطع من مقال
الرواية الجديدة و الأنساق التاريخية ..بقلم هدى الهرمي / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
08 يونيو
Rating:
ليست هناك تعليقات: