حركة للحياة على وجه الموت..سامية ساسي /تونس

 حُمرة خفيفة جدا على الشفاه، خطّ كُحل أسود وقميص بألوان، 


هي كل الزينة التي ستجعلني جميلة. لا شيئ يستحقّ أن أكون شاحبة في المستشفى.


مامعنى أن تلتقط لنفسك صورة وأنت مُسجّى على فراش المرض، ترفع


 هاتفك كلافتة للموت، لتقول: هل ترونني وأنا ميّت؟


ماذا تنتظر؟ أن يحوّل الأصدقاء حائطك إلى حائط مبكى؟


ستكون تلك أسوأ صورة لك في ألبوم حياتك.


في قاعة الانتظار الطويل، أحياء أنهكتهم فكرة الموت، يتحدّثون عن الأموات


 الذين يتم الإلقاء  بهم في الحفر، قبل التثبّت من عدم إصابتهم بفيروس كورونا. أموات بلا جنازات ولا صور. 


ولأنني لا أشارك في حديث أبدا، أعدّل حمرة شفتيّ تحت الكمامة وأبتسم، 


فالبارحة شاهدت وثائقيا عن مهنة تجميل الموتى قبل دفنهمLe thanatopracteur، وتلك الابتسامة العريضة للسيدة الجميلة وهي تضع


 اللمسات الأخيرة للحياة على وجه الموت وتعدّل تسريحة الشعر كحركة


 أخيرة قبل التقاط صورة" حلوة" مع لوحتها الحيّة.


فأمرّر يدي على شعري،  قبل أن يقول الطبيب: لا تتحرّكي أبدا!


 كآخر حركة لجسدي المُسجّى على طاولة حديديّة باردة في قاعة العلاج بالأشعة


حصّة يسمونها حصّة " وضع الرّشْمة"، تحديد للمواضع التي سيتم علاجها


أطباء حولي يضعون على جسدي وخزات، علامات، خطوطا، دوائر..بألوان حمراء وسوداء.


بلا حراك، أعرض جسدي، Je Pose، أتحوّل إلى " مودال" ولوحة معا.


 بعينين مغمضتين لم تتحمّلا الأشعة الموجهة إلى جسدي مباشرة، أتحسس


 أصواتهم، أناملهم على جلدي، حركة أقلامهم، دغدغة ريشاتهم ورجفة الحياء والخوف في جسمي.


يقولون: لا تلتفتي!، لا تتكلّمي أبدا!


وكنت أحدّثهم عن القصائد التي كتبها حبيبي، في ليالينا الطويلة، على جسدي.


عن نبوءات الشعر التي كتبتها قبل سنوات " ليلا

.Je pose

أعرضُ جثّتي على النحّاتين.

عندَ قدميّ،

يضعون أيديهم في جيوبهم ويلْعنون:..."


عن لوحات الكولاج للأجساد المبعثرة ورسومات الرصاص على حائط بيتي.


حين كانت الممرضة تضع اللمسات الأخيرة، وتمسح عن جسدي مايشبه الحبر 


والدماء وتقول : صبرك على الألم جميل يا سامية.


كان خطّ الكحل الأسود قد سال مع الدموع على خدّي وعليّ تعديلهُ كآخر


 حركة للحياة على وجه الموت، قبل التقاط صورة جميلة للوحة حيّة تغادر 


المستشفى بحمرة خفيفة جدا على الشفتيْن.



حركة للحياة على وجه الموت..سامية ساسي /تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 09 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.