لم تأتِ القصيدةُ إلى الآن..عامر الطيب/ العراق

 لم تأتِ القصيدةُ إلى الآن

لكني انتظرتها على كنبتي 

كمن لا يملك نعمة أخرى،

أمزق ورقةً بعد ورقةٍ وأقول ليست تلك القصيدة

التي سأرسلها لرفيقاتي اليوم .

لم أكن سعيداً أو يائساً

كنتُ كالملائكة 

على أكتاف الأطفال،

أقول ذلك مع علمي 

بأن القصيدة 

كانتْ منحورة في الأوراق

التي مزقتُها تواً !



قبالةُ البحرِ جلسنا

خائفينَ بلا تواريخ ميلاد،

إنها ليستْ حياتنا تلك التي نتحدث عنها،

 ليس حبنا

ذلك الذي يتلون مراراً كأسطورة ،

إن البحر أزرق بالصدفة 

وحشٌ فكرَ بجمع الدموع داخل قارورة،  

إنها نظرة طويلة الأمد 

قبالة البحر عرفنا الحبَّ و جهزنا القرابين:

إن الايام القادمة لا تنسى !



لا أعرف الحبّ لكني أحبُّ

كأخٍ صغير يكلفونه بالمهام الشاقة،

يطبخ و ينتظر الرجال الغرباء

في الموانئ،

يودع الوفود و يغسل الملابس

في الشتاء الصاخب،

يبجل الكتب

التي لم يقرأ منها شيئاً

و يوقظ الأزهار الشاحبة 

أيضاً،

لا أعرف الحب لكني أحتفظ بقبلة 

عريقة كنبتةٍ 

و أجهش بالبكاء 

لأن ذلك هو ما يجعلها تنمو !



ظننتُ إنك ستطيلين النظر إلى حياتي

فتشفقين عليها

كما يحدث مع تمثال مجهول،

ظننت إنك ستقولين صباح الخير

و تعبرين النهار 

بشجاعة مؤلمة ،

ظننت إنك مثلي تنتظرين الغروب الأخير 

كإضمامةٍ

لكن الأحضان تفسدها القبلُ،

لكني بريء فقط من الآثام

التي لم أرتكبها بعد !



أكرهكم لأن وجوهكم مضيئة ولامعة

كنجوم البرك الهادئة،

لأن أياديكم مفتوحة على الدوام،

لأن قلوبكم يمكن تعويضها

بقطع من البلور 

أكرهكم لأن نهايتكم 

تم استخراجها من الكتب،

أكرهكم أيها الرجال اللطفاء 

إنكم تعذبونني 

فعلى الزجاجة ألا تعبد

إلهاً من الرمل !



عزيزي المؤلف

لقد متَ الآن و ألقينا عليك

النظرة الأخيرة،

تبادلنا صورك

و تمنى كل واحدٍ منا

لو أنه أجرى حواراً أخيراً معك 

لو أنه اتصل بك

و حذرك من أن تموتَ فجأةً،

لكنك أسرعتَ و بالكاد استطعنا التخلص

من جثتك و قصائدك 

الساخطة،

لكنك نجحتَ حقاً

لقد متّ كمن يفتح علبة 

فتظاهرْ بأنك ستفعلها مرة أخرى!



لكن ماذا عن الأغنيات الحارة 

و البكاء الفادح و الخشية

من انبثاق برعم في غير وقته؟

لكن ماذا عن الارض

البعيدة كالجسد 

و ماذا عن حياتنا القوية،  الصاخبة 

الوديعة المولودة على دراجة نارية

الوحشية كغصن مكسور ؟

لكن ماذا عن الألم الآدمي :

حملنا المصابيحَ 

نحو أراض بعيدة و خسرنا الأشباح!



كمن تصير يده رمادية

في الغروب ، يستحم وحده و يؤلف

الأناشيد ،

يسرد الحكايات لظله 

في الشمس الحارة.

كمن يود أن توصد خلفه الأبواب ،

طفل عابر 

ينمو برقة و يتحسس

سنواته بإخفاق عظيم ،

هذه ليست مزحة 

لقد مضت الحياة كريح عادلة مع الجميع 

لكن الطفل العابر

كان يصغي إلى القمر !



"وجه الميت لا يرحم أحداً "

"نظراته كأطفال يعلبون اللعبة نفسها "

بعد فترة صمت دامت 

لدقائق

وصف الممثل الذي مات في الفيلم

مصير 

رفيقه الذي نجا قائلاً :

لقد أخطأ طريقه إلى الموت!


عامر الطيب



لم تأتِ القصيدةُ إلى الآن..عامر الطيب/ العراق Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 05 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.