هجرة الأدمغة..إنعام هلال البطريخي فلسطين

 هجرة الأدمغة

بقلم أ.إنعام هلال البطريخي

الإنسان بطبيعته يحب التنقل ويسعى بحثا عن الرزق ،فهو يتلقى المعارف والقيم والمهارات من خلال حياته ،فمن البيت إلى المدرسة حتى يصل للدراسة الجامعية ،مختارا التخصص الذي يلبي فيه رغباته ويحقق فيه طموحه .

وهو يقضي سنواته الدراسية، يحيك فيها أحلامه ،ويرسم بريشته مستقبله ،يرقبه والداه ،يفكران كيف سيمضي ويكمل دراسته الجامعية، ويشق طريقه في سوق العمل، وسط هوة الفقر التي تتسع تدريحيا ، وخصوصا في الآونة الأخيرة مع شح الرواتب ،والحصار والبطالة ، ومرارة الانقسام ،واختلاف الرايات والأهداف لدى التيارات السياسية والأحزاب المتناحرة.

فما أن ينهي دراسته الجامعية ،حتى يصطدم بالأمر الواقع في سوق العمل من عدم توفير الوظائف الشاغرة، وينتهي به الأمر ليكون ضمن قائمة بأسماء لا حصر لها تنتظر الوظيفة ،وهذه هي المعضلة الحقيقية والمشكلة الأكثر تعقيدا،  والتي توجِد الفجوة ما بين التعليم وسوق العمل بإحداث الفراغ بقطاعات التعليم والصناعة والصحة وغيرها، وخصوصا المتميزة والمبدعة ،و من هنا يبدأ التفكير بالبحث عن سوق للعمل بعيدا عن موطنه الأصلي ، ويفكر  بالهجرة ،وهي نوعان النوع الأول هجرة داخلية وتكون في منطقة جغرافية واحدة، وداخل حدود البلد الواحد ،كالانتقال من شركة لأخرى أومن تخصص لآخر يلبي الرغبات، أو انتقال من الريف إلى المدينة،  ،والنوع الثاني هجرة خارجية وهي الأكثر ضرراً وتكون من بلد لآخر خارج الحدود السياسية يجد فيه وعاءً يملأ طموحاته .

 وكما تم ذكره فإن أهم الأسباب الكامنة وراء هجرة الأدمغة  كثيرة ،أسباب اقتصادية تتلخص في البحث عن ظروف معيشية أفضل، وحصول الرخاء والهرب من براثن الفقر المدقع والبطالة الناتجة عن الانفجار السكاني ،وتفوق سوق العرض على الطلب، أو أسباب سياسية تتمثل في عدم توفر الاستقرار الأمني، وهروبا من الاضطهاد السياسي الذي يتعرض له الشخص في وطنه الأم ،ليجده في بلد آخر بما يسمى اللجوء السياسي، أو قد يكون الدافع للهجرة أسباب اجتماعية بسبب ضعف العلاقات والترابط الأسري، وجود أصدقاء ، لم الشمل ،أو الزواج  ، وهناك الكثير من الأسباب الغير آنفة الذكر تشجع الأشخاص على الهجرة ،مع تقديم المغريات من البلد المضيفة لحصول ذلك.

ولا شك أن هجرة العقول قديمة ، ولكنها زادت في الآونة الأخيرة زيادة طردية مع ازدياد الصراعات التي تشهدها المناطق وعدم وجود ملاذ آمن، إضافة إلى عجز البلد الأم عن احتضان المواهب ، فنرى العقل المهاجر يسعى لتقدير ذاته حيث يجده في البلد المضيفة.

ويميل البعض لتسميته بمصطلح جديد وهو اصطياد العقول وسرقة الأدمغة، عن طريق الإغراءات التي تعرض على أصحاب الكفاءات لترك أوطانهم والعمل  بأجور مرتفعة مع توفير السكن، وحرية التزاوج لضمان بقائه في أراضيها والاستفادة منه، وهذا ما يحدث في معظم الدول المتقدمة، فبعضها يشتري المبدعين وأصحاب براءات الاختراع برواتب خيالية، وإذا ما نادى الشوق هؤلاء وهمس لهم تراب بلادهم للعودة قد يتعرضون للقتل؛ خوفا من نقل المعلومات المهمة لديهم عن التطور، هذا وقد تحدث السرقة من شركة لشركة أخرى وتقام الدعاوى والقضايا بينهم.

والهجرة بالنسبة للفرد سلاح ذو حدين فقد تكون لها آثار إيجابية، تساعده على اكتشاف ذاته وتطوير حياته العملية والعلمية ،وقد تكون سلبية بحرمان الفرد المهاجر من حقوقه من الرعاية الصحية والخدماتية، والطموح والمهارات، وإن من أكثر الآثار السلبية سوءا عند هجرة الفرد المسلم لدولة غير مسلمة، يتشرب منها عاداتها وتقاليدها، و يتخلى عن بعض القيم والمبادئ والعادات والتقاليد للتأقلم مع البيئة الجديدة .

وكما لها من الآثار على الفرد لها أيضا آثار على المجتمع ككل ،فمن الآثار الإيجابية على المجتمع أنها ترفد المجتمع بالشباب ذوي الخبرة ،وبأجور متدنية مما يعالج الضائقة المالية لدى البلد المضيف، و التعرف على أنماط وثقافات  ولغات جديدة ،أما فيما يتعلق بالآثار السلبية فنجد حدوث التوتر، والتفكك الأسري وارتفاع ملحوظ في ظاهرة الطلاق، وخسارة البلد الأم للشباب الموهوبين ذوي الخبرات والطموح والمهارات.

ويبقى أمر مثير للجدل هل يمكن أن نعتبر ذلك تبادلا للعقول أم إهدارا واستنزافا لها، و نحن نرى أن البعض يميل للرأي الأول ويعتبره أمرا طبيعيا ناجما عن تفاعل الحضارات وحوار الثقافات، أما عن أصحاب الرأي الثاني فيرون أن ذلك خسارة للبلد الأم وأنها بأمس الحاجة إلى تلك الكفاءات العلمية وخصوصا في مجالات الطب والطاقة النووية ،والاقتصاد،  والهندسة الإلكترونية ، والفضاء، وغيرها من التخصصات التي يمكن أن تدر المال الوفير وهي في  مكانها واستثمارها.

وأيا كان هذ أو ذاك يبقى هناك دائما وسطا بين الأمور، لماذا لا نشجع الأمرين وندمجهما، نشجع البقاء واستثمار العقول في الوطن على أن توفر الدولة متطلبات الراحة، وتحسين الحياة المعيشية للأفراد وخصوصا العلماء والمكتشفين، وإنشاء مراكز البحوث التنموية العلمية، وتحفيز الشباب على التعلق بوطنهم من خلال القضاء على الواسطات ، وفتح أماكن لاستثمار طاقاتهم، كالجمعيات والمؤسسات والنوادي الثقافية ، وإن كان ذلك بعيد المنال وخصوصا في الدول النامية فلا بأس من الهجرة للبحث عن فرص العمل، والسعي وراء جودة التعليم والطموح والأحلام المشروعة ،آخذين بعين الاعتبار الهدف من الارتحال هو البحث عن لقمة العيش بالحلال ،والالتزام بتعاليم الدين الاسلامي ،والتقيد بشرع الله وسنته.

ولكن يبقى هنا علامة فارقة بين الأمرين لصالح الرجوع لأحضان البلد الأم؛ ليثمر فيها الخير والعطاء ويتكاثر .


كاتبة المقال أ.إنعام هلال البطريخي /فلسطين /غزة

ماجستير ومعلمة لغة عربية

كاتبة وباحثة وشاعرة



هجرة الأدمغة..إنعام هلال البطريخي فلسطين Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 24 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.