رأس عالق ...هيثم الأمين / تونس
رأس عالق
ــــــــــــــــ
كأنّني أصغر من طفل بكثير؛
تُدرّبني الأزقّة على المشي دون أن تمسك العناوين بيدَيْ
و لا تُوبّخني
إن تعثّرتُ بي.. فسقطتْ !
و تضحك كثيرا جدّا
كلّما أفزعني وجهي
حين يتراءى لي في عيون الآخرين...
كأنّني أصغر من طفل بقليل؛
أتلعثم في تهجئة النّوافذ و الشّرفات التي لا تلوّح للغرباء،
و أتدرّب على كتابة اسمي
بأبجديّة تليق بلون جلدي؛
جلدي الذي ما تتبّعت خطوطه امرأة لتصل إلى الكنز
و لا كان رقعة دوّن عليها ملك أسطوريّ أسماء سلالته
و تاريخ انتصارته..
في آخر الزّقاق،
كانت الحانة تلوك زبائنها
ثمّ تبصقهم مبلّلين بكذبة فرح !!
كأنّني طفل؛
أنتعل وقتا واسعا كان ينتعله أبي
و أجرّب حكايات الطّريق الذي سلكته الجنائز..
كانت الجنائز تركض بسرعة، أمام بيتنا
لهذا
كنت أظنّ أنّ الموتى سعداء
و كنت أركض
لأصل باكرا إلى جنازتي...
كأنّني أكبر من طفل بقليل؛
أجرّب كيف تكون القهوة مرّة
حتّى لا يُفْسِدَ السُّكّر طالعي في الفنجان
و لكن.. لا قارئة فنجان في قريتي
و كتاب "شمس المعارف الكبرى" لم يكن يُجيد أبجديّة فناجين القهوة !
أجرّب كيف أنفث دخان السّجائر من أنفي
و لكنّي لم أنجح، يوما، في أن أرسم قلبا بهذا الدّخان
فقط،
صرت لا أغمض عينيّ كلّما قبّل بطل حبيبته في فيلم بالأسود و الأبيض...
أنا لا أحبّ الجدران الملوّنة
و كلّ أشيائي بالأبيض و الأسود
و لكنّي لم أقبّل حبيبتي، بعد !!
كأنّني رجل سعيد؛
لا تهمّني العناوين في شيء،
أسقط كثيرا في عمقي
و أضحك من وجهي كلّما تراءى لي في عيون الآخرين...
أقرأ كلّ النّوافذ و الشّرفات التي لا تلوّح للغرباء
أكتب اسمي بكلّ الأبجديّات التي تناسب جلدي؛
جلدي الذي صار ورقة يناصيب لا قيمة لها
و أنتعل وقتا ضيّقا
لا يسمح لجنائزي الكثيرة بالرّكض...
و كرجل حزين جدّا
لا حانة في آخر الزّقاق لتلوكني ثمّ تبصقني مبلّلا بكذبة فرح
أكتب
قصائد بالأبيض و الأسود
أقبّل فيها حبيبتي كثيرا جدّا
و أقرأ، فيها، طالع قارئة الفنجان المخبوء في فنجان قهوتها المرّة
و في آخر قصائدي
يكبر رأسي كثيرا جدّا
فيعلق في عنق زجاجة العالم
و لا يمرّ إلى موته السّعيد...
ليست هناك تعليقات: