استراحة أخيرة...هيثم الأمين/ تونس
استراحة أخيرة
ـــــــــــــــــــــــ
مُتْ في عَرَاءِكَ
فأنتَ.. لم تكُ غابةً
لتخشى على رُفاتك من الحطّابينْ...
أنتَ لستَ غابةً
لتخشى أن تُفشيَ رائحة جثثكَ
أسرار الرّيحْ؛
الرّيح التي عبَرَتْكَ عاريةً
وهي تركض خلف نهايات الاتّجاهاتْ...
مُتْ كأنّكَ عدوُّكَ الوحيدْ
وكأنّك كلّ رفاقِكَ
فأنتَ لست نهرا لتترُكَ مجرَاكَ وصيَّتَكَ !
وأنتَ لستَ نهرا
لتُورّثَ البحر مراكِبكَ و آخر أسماكك الملوّنة...
كلّ نوافذِكَ مفتوحةٌ، الآن
ووحدَكَ.. تُطلُّ منكَ..عليكَ
فاحذرْ أن تموتَ على أرصفتِكَ !
سيعتقلونكَ بتهمة ازعاج العابرينْ
و سيكتبون اسمك، بالخطّ الأحمر العريض، على نعال الأحذية
فتنبذك غرف الموتى و الحانات
و كلّ تنانير حبيبتكَ !
الآن، كلّ أبوابكَ موصدةٌ عليكَ
و أنتَ
داخلًكَ؛
لا مفرَّ لكَ منكَ
و تَهطِلُ عليكَ بغزارة
كمدينة عالقة تحت مطر غزير
و لا كوّة في رأسكَ
لتنفلتَ عبرها كضوء خافتٍ
فلا تَمُتْ
كما يموت الجنود في الحربْ
فذاكرتك ضعيفة جدّا
و لن تتذكّر آخر وجه قتلَكَ
و لن تتذكّر، أبدا، كلّ الوجوه التي أطلقت عليها أسماءَكَ...
لا تَمُتْ كما يموت الجنود في الحرب
فقبضتك صغيرة جدّا
لا تتّسع لأكثر من وطن واحدٍ
و لا وقت لديك لتتقيّأ كلّ هذه المنافي المنفيّة فيك...
متْ الآن
كخنزير وحشيّ مصاب بالزّهايمر
سرق اسفلت المدينة حوافره
ليصنع منها ألعابا لأطفال السّوّاحْ
أو متْ كحكايات الجدّات
بعد أن ابتدعوا للأطفال غرفا للثّرثرة و حسابات فايسبوكيّة...
و أنت تُقاتل، حتّى الموت، حياتكَ
لتصل إلى موتكَ
بكامل جنائزكَ،
بكامل وجهكَ،
بكامل أعدائكَ،
بكامل ثقوبكَ
و بكامل وحدتكَ؛
لا تنس أن تستريح قليلا
لتدخّن آخر أصابعك
و تموتْ
متكدّسا على بعضكَ...
ليست هناك تعليقات: