فِي رِيَاضَةِ كَمَالِ الأَحْزَان ..حسن المختار بن محمد / المغرب

 ▪ اِسْتِلْهَامُ العَنَاوِينِ لِكِتَابَةِ أَحْزَانِي


• فِي رِيَاضَةِ كَمَالِ الأَحْزَان


رَوِّضْ حزنك على احتمال التمارين الشاقة

لا في الصالات و الملاعب، بل في الهباء الطلق 

غُصْ به في الأعماق حتى يعتاد الظلمات و الاختناق

اقفز به في كل المهاوي الخطرة دون أجنحة للتحليق

عَوِّدْهُ على رفع أثقال الوحدة 

و القفزِ على حواجز الخذلان

و السباحةِ ضد كل التيارات

دَرِّبْهُ على ملاكمة أكياس ملأى بالأحلام

في حلبات الخيال

لعلها تتناثر بضربة فرح قاضية

حَرِّكْهُ دائما كي يتجدد و تشتد عضلاته

لا تُعَوِّدْهُ روتين البكاء أمام الأعداء

و لا رتابةَ الضحك الأصفر في وجوه الأصدقاء

و لا عبثَ الكتابة التي تُوهِمُ التغيير

و شَمَّ العبير من ورود بلاستيكية

لا تُنَاوِلْهُ تحاميل فيتامينات صناعية

دَعْهُ ينمو و يشتد و يقسو

طبيعيّاً بأقسى التمارين

ففي النهاية، ليس لك إلا حزنك

تحارب به و تقاوم 

دفاعا عما تبقى من وجودك...


• تَدْجِينُ الحُزْنِ المُتَوَحِّش


حين يستوي حزنك وحشا يهدد بالتهامك

تَبَنَهُ كقط أليف

و أَلْقِ إليه بوجبة فرح عبرت مطبخ ذاكرتك

ذات شهية للحياة

دَاعِبْهُ ببِضْعِ نكاتٍ حفظْتَها من بعض العاهرات

في إحدى حانات المملكة الشريفة

حين كنت تسكر مدعيا محاولة تخدير حزنك 

أو إغراء شهوة عابرة لغدد إفراز حيامنك

أو إغراق خيباتك في قرارة كأس أو قنينة كاملة

لا تخجل من حزنِك/القطِّ

خُذْهُ في حضنك دون أن تقلم أظافره

دَعْهُ يخمش بوداعة جلدك اليابس 

لعله يزغزغك فتضحك

و يلعق دموعك بلسانه المبلل

لعله يحمل عنك أحواض الملح

دَاعِبْهُ كي يموءَ و يتقوسَ و يتمرغَ و يقفزَ 

و يعودَ ليندسَّ في روحك...

لعله يبلغ منك جذور الحزن

بحزن عيونه فيرويها

أجملُ الأحزان و أنبلُها 

ينمو في عيون أشبال القطط


لا تَتَبَنَّ، أبداً، حُزْنَكَ

ككلبٍ؛ بدعوى الحماية و الوفاء

فأنا، عموماً، ضد ثقافة (الكلاب) 


• فُصُوصُ الحُزْن


لا تُحَمِّلْ خيالك فوق طاقتهِ

فلن يَحْمِلَك أبعدَ من قصيدةٍ

لا تُؤَمِّنُ من خوف

لا تعذب لغتك فوق عذابها

فلن تبلغ منها أكثر من قصيدةٍ

لا تطعم من جوع

دع الخيال و اللغة و القصائدَ

للمترفين في (عَدَنٍ) زائلةٍ

فأنت في مُدُنٍ 

عالِيها خوفٌ و سافلُها جوعٌ

فما جدوى أن تجعل 

الخوفَ في القاعِ

و الجوعَ في الذُّرَى

فما بينهما معاً سوى (واو)

أحدُهما سكونٌ حَيٌّ

و الآخرُ مَيِّتٌ

و لا أحدٌ يختار موتَهُ

و لا أحدٌ بحياته فخور

إنما نحن نصوص كُتِبَتْ قبل بدء الخليقةِ

بخمسين ألف سنةٍ

مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مُتَشَابِهَاتٍ

فلا يُفَسِّرْ أحدٌ نصّاً لم يكتبْهُ

و لا يُؤَوِّلْ أحدٌ نصّاً لا يُؤْمِنُ بِرَبِّه

و لِكَاتِبِنَا جميعاً حَقُّ اختيار الفُصُوصِ

يومَ تُعْرَضُ، بين يديه، كلُّ النصوص


                                                                           (يتبع)


                             ح-خ  (المختار)



فِي رِيَاضَةِ كَمَالِ الأَحْزَان ..حسن المختار بن محمد / المغرب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 17 أكتوبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.