مدّعي السّعادة ..هيثم الأمين/ تونس

 مدّعي السّعادة

ـــــــــــــــــــــ

أنا لستُ رجلا سعيدا

لكنّي، اليوم، سأدّعي أنّي رجل سعيد! 

وحتّى أبدو كما الرّجال السّعداء في قصص الأرصفة والمقاهي

لن أسأل الصّباح، كما كلّ صباح: لِمَ وَصَلتَ متأخّرا؟

ولن أحشر أصابعي في حلقي،

كما كلّ يوم،

لأحاول تقيّؤ هذا الوطن الشّائك المحشور في حنجرتي

وسأغادر رأس الشّاعر التي في رأسي

دون أن أحمل معي وجها غاضبا وشتائم جديدة...

سأدّعي أنّي رجل سعيد

وسأوقظ العتمة النّائمة في غرفتي.. بلطف

حتّى لا تُطعِم للضّوء أطفالها فتهيّج على أصابعي القصائدْ!

لإنّ القصائد، في حياة الشّاعر، كلّ الحزن.

أيضا، سأدّعي أنّ القطّة تلعب الغمّيضة مع الفأرة حديثة العهد بالأمومة

وأنّ الفأرة لم تسرق جُبننا

لكنّ زوجتي أهدته لها كما كانت تفعل الجارات في زمن جدّتي

ولتكتمل تمثيليّة السّعادة في يومي

سأدّعي أنّ ظلّي يرتدي معطفا ورديّا و قبّعة خضراء

وأنّ الوقت

لا ينتظرني، عند الباب، ككلاب شرسة

ليُطاردَني كما يطارد قاتل متسلسل ضحاياه.

مازلتُ أدّعي أنّي رجل سعيد

وأنّ القبّعة الخضراء التي يعتمرها ظلّي 

حين مشيت على الأرصفة

نبت عليها الحبق

وكلّ هؤلاء الرّجال ما كانوا يحملون حزنهم على وجوههم

ولكنّهم ذاهبون لحفلة تنكّريّة

فارتدوا أقنعة حزينة...

سأدّعي، أيضا، أنّ المعطف الورديّ الذي يرتديه ظلّي

كلّما دخلتُ مقهى

أو محلّ بقالة

يَخْرُجُ من جيوبه أطفال مرحون

وقطط صغيرة مع كور ملوّنة

وكلّ هاته النّساء اللّواتي دون ملامح

لم ينسين وجوههنّ 

في قصص حبّ قديمة

أو في طوابير الخبز وأمام المدارسْ

ولم يكنّ حزينات

لكنّهنّ، خوفا من الحسد، ادّعينَ أنّهنّ نساء باليات!

مازلتُ أدّعي أنّي رجل سعيد

وأنّ كلّ هذه الحروب الصّغيرة التي تركض خلف العالم و هو يعبر الطّريق

ليست إلّا ألعابا لرجال لم يجرّبوا أن يكونوا أطفالا

وأنّها لن تكبُر أبدا

لتصير مقابر جماعيّة وأحاديث مهمّة في نشرات الأخبار.

أنا لا أفهم: لِمَ، اليوم، ادّعيتُ أنّي رجل سعيد؟

فالوطن مازال شائكا في حنجرتي...

زوجتي و القطّة و الجبن مازالوا يعادون الفأرة...

ظلّي لون واحد ودون ملامح كما النّساء في طوابير الحياة

والرّجال مازالوا يذهبون إلى مرارة الأيّام بكلّ الحزن

فلا تصدّقوني

إن أنا ادّعبتُ أنّي رجل سعيد

فأنا ظننت بذلك أنّي سأكتب قصائد سعيدة

فتورّطتُ في حزن جديد.



مدّعي السّعادة ..هيثم الأمين/ تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 09 سبتمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.