مذكرات نعجة عجوز بقلم دارا ئستري سوريا
منذ ظهور الحليب المجفف الذي تنتجه
المعامل بكثرة وأنتشاره بشكل واسع بين البشر ، فقدنا قدسيتنا كأغنام .
لم يعد الأهتمام بنا كمجتمع منتج يدر الحليب والسمن الأبيض ،
فالظلم الذي وقع علينا لا يوصف بالكلمات ، ولا تصدقه عيون . بتنا أسرى الزرائب وبات خروجنا للمراعي مرتبطا بمزاج مالكنا حفتار بك . فكل تضحياتنا لأجل البشر لينعموا بسعادة وهناء وصحة جيدة لم يعد له أي قيمة حقيقية لديهم ، حل لهم حليبنا ، يصنعون منه السمن والزبدة والجبن واللبن والقشطة ووووووو ، يذبحوننا ليجعلوا من لحومنا طعاما يغذون به أجسادهم ، يصنعون من صوفنا ملابس تقيهم برد الشتاء.
حتى برازنا لم يوفروه يصنعون منه السماد ليستخدموه في لتخصيب التربة في الزراعة ، هذا هو قدرنا فلا إعتراض على حكم الله ، فلقد خلقنا لنكون طعام لبني البشر . أما أن يتم تهميشنا لدرجة تخفيض مخصصاتنا من العلف فهذا لا نقبل به فلقد وصلت بهم الدنائة أن يمارسو الجنس معنا في الزرائب والمراعي سرا كلما أتيحت لهم الفرصة .
وما زاد من عذاباتنا في يوم من الأيام تسلل بعض الفتية من خرافنا إلى منزل مالكنا حفتار بك بعد خروجه ناسيا إطفاء التلفاز و عند عودتهم جلسوا يحدثوننا عن مشاهداتهم لبرامج عن حياة الأغنام في المزارع الأخرى ، والرفاهية التي يعيشونها وتمتعهم بكافة حقوقهم ، نعم تلك المشاهد التي حدثونا عنها زادت من آلامنا وعذاباتنا ، ليتنا لم نسمع برفاهية الأغنام في المزارع الأخرى ، على الأقل كنا سنبقى نعتقد أن هذا الظلم واقع على الأغنام عموما في العالم وليس علينا فقط ، وهذا ما كان سيصبرنا .
عذاباتنا هذه كلها كانت بكفة ، و دخول بضعة أغنام غريبة من نو البيلا في حياتنا بكفة أخرى ، كانوا سبعة أغنام و وثلاثة أكباش ، فروا من مزرعة بعيدة ولجؤا لمزرعة مالكنا ، أصبحو يقاسموننا أرزاقنا وأعلافنا ، كبيرهم كان كالثور الهائج لا يكل ولا يمل من منطاحتنا ، يناطح الكل ذكور إناث رضع حتى إننا بتنا لا نستطيع أن التحدث عن مظالمنا أمامهم ، خوفا من أن يكونوا جواسيس علينا ، ينقلون ما يحدث في الزريبة لحفتار بك .
إخوتي أخواتي
إن ما زاد من غيظنا وقهرنا هو الدلال اللامتناهي التي كانت تناله المعزة الوحيدة في مزرعتنا تلك العاهرة ذات الشعر الفضي الطويل المسماة غنوج ، العزيزة على قلب حفتار بك ، فهي لا تختلط بالأغنام ، أنانية ، متعجرفة ، متكبرة ، تجبرك على تخزين الكراهية أتجاهها ،
فهي كانت السبب في أنتحار الغنمة منار ، عندما جاء جزاز الصوف ليجز صوفنا ، منار الوحيدة التي تمردت وأستطاعت الإفلات من الجزاز فهي لا تريد أن يقص صوفها ، كانت تحب أن يكون ترخي صوفها لتبدو جميلة ذات صوف طويل أسوة بالمعزة غنوج . لكن الجزاز أمسكها مرة أخرى وصار يقص صوفها بينما العاهرة غنوج تجلس قبالتها تضحك وتمد لها لسانها لتغيظها ، أستطاعت منار الإفلات مرة أخرى من بين يدي الجزاز ، فلحقوا بها هو وحفتار بك ، دخلت المنزل وصعدت الدرج ، لحقو بها على السطح حاولو الإمساك بها ولكن الغبية قفزت من على سطح المنزل فأرتطم رأسها بسكة الفلاحة الحديد مما جعلها تفارق الحياة .
فهذه المعزة العاهرة غنوج كان حفتار بك العجوز يمارس الجنس معها ،
نعم نعم ، لا تستغربوا ، فلو لم أشهدها بعيني ، لما صدقت ، يحممها كل يومين أو ثلاثة، ينشفها بالسيشوار ، يمشطها ، يزينها يأخذها معه للسيران أما نحن فأتذكر آخر مرة أغتسلنا فيها كان الصيف الماضي عندما أخذنا الراعي معه إلى ذاك النهر الذي البعيد ، كان الجو ربيعا والعشب الأخضر الشهي يسيل اللعاب ، و عند وصولنا قفزنا جميعنا إلى النهر الخرفان الصغار كانوا خائفين بداية الأمر ، فهم لأول مرة يشاهدون نهرا في حياتهم وأخير تجرؤ بعد تشجيع الكبار لهم قفزوا خلفنا بفرح وسعادة . أمضينا اليوم بأكمله نسبح ونرعى العشب الأخضر الطري . نعم كانت هذه المرة الوحيدة التي اغتسلنا فيها.
كل هذا الظلم والجور والتهميش الذي يمارس بحقنا قد وصل لذروته فما كان منا إلا أن قمنا بعصيان نعبر فيه عن رفضنا لكل هذا الظلم و التهميش، رفضنا أن يتم حلبنا صرنا نرفس الدلو أثناء حلبنا فينسكب الحليب على الأرض ، فقامت الدنيا ولم تقعد ، هاج حفتار بك وزوجته صاروا يهجموننا بالعصي والكرابيج ومعهم الراعي، أشبعوننا ضربا في ذاك اليوم ، ولكن بعد أن أستطاع أحد الخرفان فتح باب الزريبة هرب الكثير من الأغنام خارج المزرعة ، و فشلت كل محاولات حفتار بك لإعادتنا . أحتدمت المعركة في باحة الأسطبل حيث نطح أحد كباشنا زوجة حفتار بك فأسقطها أرضا وغرز صفوك الكلب أنيابه في عنق الكبش مدافعا عن سيدته وولية نعمته التي كانت تدلله و تجعله ينام معها في السرير وقد رأتهم مرة خرافنا المشاغبة كيف كانت تفتح ساقيها لصفوك الكلب و تجعله يلعق ف.........
والعياذ بالله ....
على كل حال ليس مهما الآن الخوض في هكذا حديث .
بل المهم في خضم هذه المعمعة و الفوضى التي عمت المكان شاهدنا حفتار بك عائدا و بيده بندقية الصيد بعد أن ظن الجميع أنه ولى هاربا من الزريبة . فهاجمه أحد الكباش و نطحه على خصيتيه ، فهاج حفتار بك و صار يطلق النار علينا بشكل عشوائي، علمنا فيما بعد إنه فقد ذكوريته هلى أثر تلك النطحة .
رغم توقعي إننا سنتعرض للهجوم و الضرب و لكن لم أتصور أن تصل لهذه الدرجة من القسوة ، و لم أتصور يوما أن يقف الكلب صفوك في صفهم ضدنا ويساعدهم بالهجوم علينا.
الحقير نسي إنه منذ نعومة أظفاره و هو يتغذى من حليبنا و ألباننا و عظامنا . فكنا نعتقد أنه سيقف في صفنا لمقارعة الظلم ، فهو من كان يتحدث عن الظلم كثيرا و عن الحقوق المشروعة للحيوانات ، و يحدثنا عن الثورات و الانتفاضات و و و و و .....
حتى أنت يا صفوك ...؟
بسيطة أيها الكلب الخسيس ، فالزمن كالدلاوب يوم لك و يوم عليك . هذا ما قلته له عندما كان يطاردنا بنباحه خارج المزرعة .
فبعد أن توارينا عن الأنظار بدخولنا الغابة ، و بعد مسير نهار كامل عبر الجبال والوديان توقفنا لنرتاح من المسير وبتنا ليلتنا في الغابة و حاولنا قدر الامكان أن نكون متجمعين و ملتفين حول بعضنا البعض . و في الصباح أحصينا بعضنا ، فكان هناك الكثير من المفقودين مقارنة بعدد الفارين.
و لكن من خلال إحصائنا لأعداد الشهداء و المفقودين تبين أن خسائرنا كانت كبيرة فهناك من لاقى حتفه أثناء الهجوم علينا في حركة العصيان، و هناك من سقط من أعلى الجبل أثناء الهروب وهناك أيضا من لا نعلم عنهم شيئا . فبعد أن قمنا بالبحث في الغابة و جدنا بعض المفقودين الذين تاهو عنا فضممناهم لنا و وجدنا أيضا جثث البعض كانت الذئاب قد نهشتها و تركتها عظاما . قمنا بدفن الشهداء و ألقيت كلمة في الأغنام تشد من عزيمتهم و ركزت على أهمية مواصلة النضال لنيل كامل حقوقنا و حريتنا فالثورة بحاجة لتضحيات و الشهداء الذين أرتقوا في حركة العصيان و الذين استشهدوا في الغابة ستبقى أرواحهم شعلة تنير درب ثورتنا المجيدة . إنطلقنا بعدها نسير دون أن نعلم أين وجهتنا ، و تبوأت الأكباش صدارة قيادة القطيع بعد أن أستشهد الكبار و أعتقل ومن أعتقل و همش من بقي حيا من الذين كانو الشرارة الأولى في انطلاق ثورتنا ، و بعد مسير أكثر من أربع ساعات في الجبال و الوديان و جدنا قطيع من الأغنام يقودهم راع مسن ، ضمنا إلى قطيعه و سار بنا لمزرعة چقل آغا ، هذه المزرعة التي فرت منها السنة الماضية بعض الكباش و الأغنام التي لجأت لمزرعة مالكنا حفتار بك ، أدخلنا الراعي إلى الزريبة و راح يحدث مالك المزرعة چقل آغا عنا و الذي بدا من ملامحه أنه قد وافق على قبولنا كلاجئين في مزرعته و أعتبرنا ضيوفا في مزرعته و قال أنه سيعاملنا معاملة أغنامه . و مضى أكثر من سبعة أشهر و نحن لاجئين في مزرعة چقل آغا ، أما أغنامه فلم تكن تخفي أمتعاضها وتذمرها الدائم من تواجدنا في مزرعتهم ، و لكن الحق يقال فهناك من كان منهم إيجابيا في تعاملهم معنا و الشيء الاكثر أهمية لنا إن الرعاية البيطرية كانت لنا متوفرة و مجانية ، فمنذ و صولنا للمزرعة بنى لنا الأغا خيمة كبيرة جعلها زريبة تقينا برد الشتاء و حر الصيف و وضع كلب على حراستنا و منعنا من الاختلاط بأغنامهم إلا بإذن ، فالبعض منا كان يتجاوز المنع و يختلط بأغنامه ، وقد أعطى چقل آغا بعض الأمتيازات الصغيرة لبعض كباشنا ليجندهم بعدها لصالحه ، وبعد فترة تم أخذ بعض كباشنا في عربة نقل كبيرة لا ندري إلى أين و عند عودتهم بعد يومين كانو يتكتمون على المكان الذي اخذوهم إليه و لا يفصحون لأحد عن فحوى ما جرى معهم ، أما أنا فكان الفضول يقتلني ينهشني من الداخل ، يجب أن أعرف أين أخذوهم و لأجل ماذا ...؟ بل كان علي التأكد بنفسي ، و ذلك من خلال إنفرادي بالكبش فتوح في إحدى الايام بالمرعى و بعد أن غمزته ليلحق بي إلى خلف الصخور و هناك راودته عن نفسي و حاول مضاجعتي بعد أن أغريته بأنوثتي و لكن فشل عملية إنتصاب ذكره جعلته غاضبا فحاول مرة ثانية و ثالثة و لكن دون جدوى ، فالفشل أحبط من عزيمته و صار يئن و يبكي و صار ينطح الصخور بقرنيه و كاد أن يكسر رأسه وكأنه يحاول الإنتحار ، و بعد أن هدأت من روعه ، سألته :
- فتوح ، أصدقني القول ، هل أخصوكم....؟
أطرق رأسه بالارض و الدموع تنهمر من عينيه .
- نعم أخصونا يا سراب ، أخصونا....
حاولت الأعتراض على عملية الخصي و لكن دون جدوى ، و المصيبة الكبرى أنه أثناء الخصي تبين أن بعض الكباش كانت مخصية من قبل حفتار بك منذ الأيام الأولى لحركة عصياننا و هي تعيش بيننا دون أن نعلم .
هل تذكرين يا سراب مجموعة الأغنام التي فرت من مزرعة چقل آغا و لجئت لمزرعتنا منذ سنة قبل حركة العصيان .
- نعم أذكرها تماما .
- وقتها تم خصي كل كباشهم من قبل حفتار بك.
هذا ما دار بيني و بين الكبش فتوح وقتها و لم يكن ينقصني سوى أعترافه لأتأكد إنه تم خصيهم . من وقتها أختفى فتوح و لم يعد يعلم أحد عنه شيئا .
فبعدها و بمساعدة بعض كباشنا المخصية قام چقل آغا بالإستيلاء على قسم من مراعي حفتار بك . و أصبحت المراعي المستولى عليها في فوضى عارمة و تحولت لساحة عراك و مناطحات مميته بين أكباشنا فصار منهم من يهين اﻷغنام و الخراف يسلبونهم الحشائش التي يكدون بجمعها و أزداد الظلم في هذه المراعي و على مرأى من عيون چقل أغا وصارت الحياة جحيما. و هذا ما جعل الكثير من أغنامنا أن تلحق بالأغنام الذين فروا منذ بداية العصيان الى مزارع العجوز الشقراء چيل خاتون و التي يعيش بها أغنام البيلا حياة كريمة و مرفهة و متمتعة بكامل حقوقها ، و لكن هناك أيضا السلبيات التي حدثنا عنها الذين عادوا من مزارع العجوز الشقراء چيل خاتون بأنهم لم يستطيعوا التأقلم مع عاداتهم و حياتهم و حرياتهم فقال أحدهم لنا :
أنه في مزارع چيل خاتون و العياذ بالله الحيوانات تضاجع بعضها البعض دون أي مراعاة لأجناسها حتى يمكن
تزاوج الذكر بالذكر والانثى بالانثى، وقال أيضا أن هذا عندهم يدرج تحت بند الحريات ، و لكن الحق يقال ، فحتى مزرعة چقل آغا لم تخلو من بعض أعمال الفجور التي كن نظن أنها موجودة فقط في مزارع چيل خاتون .
دارا ئستري
مذكرات نعجة عجوز بقلم دارا ئستري سوريا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
13 مايو
Rating:
ليست هناك تعليقات: