ثرثرة ميّت ينتظر ....بقلم هيثم الأمين / تونس
اليوم
تعرّضت لحادث سير أودى بحياتي!
رجل يقود سيارته بجنون و يتبادل الشتائم مع زوجته لم يلاحظ خطواتي اليابسة على الطريق
فبصق الموت في وجهي
أظنّه سيحبّني كثيرا
فموتي
يعني أنّه سيقضي أجازة من زوجته في السجن!
أنا هنا
و هنا لا شيء فيه إلّا عتمة تسيل و صراخ خال من الغضب
أنا لا أرى شيئا هنا
و لكنّي سمعت كلّ شيء
أصوات المارّة المحوقلين، صوت سيارة الاسعاف
و صوت الطبيب الشرعي الذي فحص جثّتي و هو يتحرّش بالممرضة الجميلة
و ضحكتها الصاخبة حين تأفّف الطبيب من مؤخّرتي الكبيرة
في بيتنا، أيضا، سمعت كلّ شيء
الرّجل الذي أقسم أنّنا كنّا صديقين و أنّي كنت رجلا صادقا
ذلك الرّجل لا أنذكّره!
أو ربّما جلسنا معا يوما في مقهى!
امرأة، أعرفها، كانت تبكي بحرقة
كانت تقسم أنّي كنت رجلا لطيفا
أنا الذي كنت أضايق طفلها كلّما وجدته في الخارج حتى يبكي
فقط
لتخرج من بيتها فأراها و أتحرّش بها
أما أبي المقعد فكان يقسم أنّي لم أشتمه يوما و كنت نِِعم الولد البار!
هذا الصّباح، و قبل خروجي للموت، تبادلنا الشتائم كثيرا أنا و أبي
و دعا عليّ أن أعود له في صندوق!
و لكنّ الموت يبدو رجلا كريما جدا فهو يمنحنا شهادات تكريم كثيرة و حبّا إضافيا
في الطريق إلى المقبرة
تمتم صديق أبي في سرّه: تبا ثقيل ظلّ و ثقيل نعش!
شاب، تعرّق جسده، قال: ألم يجد يوما أبرد من هذا ليموت فيه؟!!!
في المقبرة
شاعر فصيح أراد نعيي و لكنّ إمام المسجد أسكته!
وحده كلب ضال استوطن المقبرة كان ينبح مستغفرا لي بصدق!
أنا، الآن، أجلس في قبري
أجلس بكامل وحدتي
و أنتظر...
ثرثرة ميّت ينتظر ....بقلم هيثم الأمين / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
21 أغسطس
Rating:
ليست هناك تعليقات: