لا فائدة من كل هذا ..... هيثم الأمين / تونس
// نصوص أفرزتها و أنا عالق في فم الفراغ: نص 11 من 14//
لا فائدة من كل هذا
------------------
رقنت، لأجلك، رسائل كثيرة
و لكنّي
لم أرسلها
حتى لا تحبكي صدفة لقاء بيننا
فأنا أخشى
أن أحبّك من جديد
فترحلين من جديد
و أخسر الكثير منّي من جديد.
تسألين عن أخباري!!
أغلب أخباري مكررة:
مازلت أحتفظ بشهادتي الجامعية في بيت الخزين مع مؤونتنا من زيت الزيتون و مع التمر الذي تهديه لنا نخلتنا الوحيدة
و مع كل تلك الكراكيب التي قد تنفعنا يوما!
مازلت عاطلا عن العمل
و عاطلا عن الحب
و مازال صدري عاطلا عن النساء و عن الأطفال
فقدت سنّي السفلية الأمامية الثالثة
و كدت أفقد أصابع رجلي اليمنى ،أو هكذا أظن، فجرحي لم يشف بعد
و لم يملّ بعد
من مصافحتي
عكازي
حاسوبي العجوز، الذي تعرفين، هو أيضا اعتذر لي و رحل
و كل شيء صار يؤلمني
دواء السّكري
تلك الحبّة الحمراء الصغيرة التي أتعاطاها منذ ستة أشهر لتكفر أغصاني بيباسها و تخضرّ من جديد
أدوية تسكين آلام الروماتيزم
أعوامي الأربعين المحشوّة داخل جسدي الستّيني
الطريق الاسفلتي التائه في المدينة و الراكض طول الوقت حافيا من الوصول و الباحث عن منفذ يعبر منه الى خارج مأزق المدينة، يؤلمني
و أنت.
كل شيء صار يؤلمني
سلس البول الذي يحرجني
بصري الممتدّ من متر إلى ثلاثة أمتار
ركن الغرفة الثرثار، حيث أقضي أغلب يومي، و هو يسرف في الضحك مع العناكب
و أنت.
كل شيء صار يؤلمني
الوجوه التي صارت متشابهة إلّا ما قرب منها
الموتى الذين ماتوا وحيدين و يلوّحون لي من سقف غرفتي
الحمام الذي يموت بجانب صحفة الماء التي أتركها للطيور العابرة و أدعو الله أن يشاركني ثوابها معك
و كل امرأة شيّدتها، في أحلام يقظتي، على شاطئ صدري ،كما يشيّد الأطفال قصور الرمل على شواطئ البحر، قبل أن تعيدها موجة نوم إلى العدم، تؤلمني
و أنت.
كل شيء صار يؤلمني
الأبواب الفاغرة
الأبواب الزامة على شفاهها
النوافذ المتلصصة
النوافذ النائمة
الجراح المبتسمة
و
حتى أنا
و أنت.
لا،
طبعا لا،
أنا لا أكرهك
فرغم قيود الحياة التي تدمي أرواحنا
سنظلّ نحبّ الحياة دائما.
أمي فقدت أعصابها
و كُسر مرفقها
و عادت كأول أيّامها تتدرب على المشي من جديد
و صار البول ينفلت منها
فيمدّ لسانه و يلعق فخذيها و هي في طريقها للحمّام
و لكنها مازالت تجيد إحضار طبق الكفتاجي الذي أحببته منذ أرسلته لي في صورة على هيئة قلب!
أبي!
لا شيء تغيّر معه.
مازال يحاصرني
و مازلت أغيّر ثيابه
أسند مشيته من كرسيه إلى السرير
و من السرير إلى الكرسي
و صرت، وحدي، أحمّمه و أساعده على قضاء حاجته البشرية.
لا...
ما عدنا نتبادل العناقات
و لكنّنا
مازلنا نتبادل التجريح و الشتائم.
نعم، نعم
لا تقلقي... فأنا بخير
فمذ صرت أتصرّف كشاحنة مندفعة فقدت مكابحها في المنعطف
صرت لا أتذكّرك إلا يوما واحدا، فقط، في اليوم الواحد
نعم،
حتما، مازلت أحتفظ بكلّ صورك
و لكنّ خوفي من أن أنفد منّي بالكامل جعلني لا أجتمع بها إلا صدفة
لا،
طبعا لا،
أنا لا ألومك و لا أعاتبك
فأنت تعلمين أن لا فائدة من أن نرتدي الهواء لنحتمي من الصقيع
نعم،
انا، أيضاً، كنت أعلم هذا
و لكنّي كنت أكره البقاء وحيدا
و كنت أكره
أن أكذّب نبوءة أحلامي
و الشتاءات، بعد إذنك سأناديك حبيبتي فاسمحي لي بذلك كما سمحت بذلك ذات قصة، يا حبيبتي طويلة جداً و أنا لا أملك غير غيمتين لأمارس بهما الإمطار.
و أنت
كنت حبل الفرح الذي أعلّق عليه عينيّ لتجفّا من الحزن قليلا.
هل تعلمين
حضورك يجعلني كرجل وسيم يشرب ويسكي فاخرا
يدخن سيجارا كوبيا كذاك الذي يدخنه زعماء المافيا و العرب
و يتناول شكولاتة سويسرية من النوع الممتاز
في مطعم يرتاده مشاهير هولييود!
هل تأخّر الوقت أم أنّك تنتظرين إرسالية من شخص مهم لتتفقّدي هاتفك بكلّ هذا التوتر؟!
تسألين عن الوقت بالضبط؟!
الساعة الآن
أنا و أنت و المسافة البعيدة جدا بيننا!!
هل سيتصل بك؟!
اترغبين في أن أذهب الآن؟!
هل ستخبرينني عنه في المرة القادمة و عنك؟!
هل سترسلين لي صورة حديثة العهد لك؟؟!
أعلم أنّك لن تقرئي هذا
و أعلم أن لا أحد سيقرأ لك هذا
و أعلم
أن لا فائدة من كلّ هذا!.
لا فائدة من كل هذا ..... هيثم الأمين / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
17 نوفمبر
Rating:
ليست هناك تعليقات: