حين صرت عصفورا ...بقلم الطيب صالح طهوري/ الجزائر
حين صرت عصفورا
ق ق
سأحررك من هذا القفص اللعين، لكن..
ما شرطك؟
أن نتبادل الأرواح لفترة ما،أجبته..
كيف؟
تعطيني روحك وأعطيك روحي..أجرب الطيران بجسدك وتجرب العيش بجسدي..
أسبوع واحد يكفيك؟..أسبوع واحد لا أكثر..
قبلت، قال لي مزقزقا فرحا..
لنبدأ اللعبة إذن..قلت اللعبة، هكذا..وابتسمت..
فتحت فمي ليدخل منقاره ثم أغلقته بإحكام..و..
سرت روحه في جسدي وتغلقت روحي في جسده..صرت العصفور وصار أنا..
حركت جناحي..رفرفت قليلا وسقطت متدحرجا..ضحك العصفور الذي في جسدي حتى كاد يسقط بدوره من شدة الضحك..ما يشبه الزقزقة كان ضحكه..ضحكت بدوري وانا اقف على ساقي..ما يشبه صوت البشر كانت ضحكتي..
مشى العصفور..تعثر في مشيته..ما أثقل جسدك، قال شبه متحسر..وما أخف جسدك ، قلت سعيدا..ورحنا نتعلم..هو المشي وأنا الطيران..بعد سويعات قليلة حلقت عاليا وراح هو يعدو..
مساء كنت على غصن الشجرة نائما..وكان هو في فراشي هائما لا يدري ماذا يمكنه ان يفعل..بالتأكيد كانت زوجتي بجانبه..على نفس الفراش..و..
كعادة العصافير انطلقت الزقزقات في فضائي..بصعوبة فتحت عيني..ما يزال الوقت ليلا ، زقزقت لي وللعصافير التي كانت تحط على الأغصان في شجرتي..
زقزق عصفور: انهض يا صديقي..نسمات الصباح تعطيك القوة اكثر..تجعل يومك أجمل..انهض..وكانت زقزقتي تعلو وتعلو..وكان العصفور في جسدي تحت الشجرة واقفا..
زقزقت ضاحكا: صباح الخير يا جسدي..
تكلم عابسا: صباح الخير..
ما بك؟..
حياتكم صعبة يا صديقي..ثقيلة ومملة..ومقيدة أيضا..
زقزقت: سبعة أيام فقط يا عصفوري..ستنتهي بسرعة..ستنتهي..
ألا يمكن تقليصها؟ سألني شبه مترج..
لا يمكن، اجبته ورفعت رأسي إلى السماء مزقزقا..ثم، طرت عاليا وبعيدا..
***
في اليوم السادس
في علوي محلقا تذكرتها..وحزنت كثيرا..
انتبهت عصفورة بهية الألوان إلي..
ما بك يا عصفور؟
أحبها..أريد الوصول إليها..لكنني لا اعرف مكان إقامتها..
عصفورتك؟ سألتني مزقزقة غامزة..
لا..بشرية هي..رأيتها مرات عديدات..في كل مرة كانت تبتسم لي بعمق..ما أحلاك، تقول لي..
سأقتلك ، ساقتلك..تسكت ثم تضيف: بالقبلات..سألاعب منقارك بشفتي وأقبل ريشك هذا الذي يجنني..سأحبك كثيرا كثيرا..سأضعك في قفصي وأعتني بك أكثر..
زقزقت العصفورة عاليا..سرب عصافير كان يرفرف حولنا..
زقزقت من جديد..كانت حكايتي على ألسنة كل عصافير وعصفورات السرب..
ما علاماتها؟ طرح السؤال عصفور أخضر..
كان ابنها يرافقها باستمرار..هو تلميد في إحدى متوسطات مدينتها..
حلت المشكلة، علت زقزقة عصفور ناصع البياض..هيا بنا وطار في اتجاه مدينتها..
ما صفات ابنها؟ سأل عصفور رأسه زرقاء مثيرة..
زقزقت: أسمر..شعره..ابتسامته..قامته..لباسه..
بعد سويعات قليلة كنا هناك..توزعنا اثنين اثنين وانطلقنا بحثا عن المتوسطات..
عشية، كان العصفوران الحنائيان يزقزقان: وجدناه، وجدناه..كانا سعيدين حد اللهفة..
اقتربا مني: عرفنا منزلها، قالا الجملة زقزقة سعيدة وراحا يرقصان من حولي..و..
كنا هناك..
انتبهت: غدا ينتهي الأسبوع..حزنت كثيرا كثيرا..
تركني السرب وحدي وطار عائدا إلى أشجاره وحقوله هناك..
دخلت ..كانت النافذة مفتوحة..وكانت هناك..رفرفت ..رفعت رأسها..ياإلهي، قالتها مندهشة..عصفوري هنا؟..كيف جئت؟..من دلك على المكان؟..كيف دخلت؟..راحت اسئلتها تتوالى بسرعة غريبة ورحت ارفرف سعيدا أمامها بسرعة أغرب اغرب..ولم انتبه إلا وجسدي بين كفيها وشفتاها العذبتين تقبلان منقاري وصدري وجناحي..كنت سعيدا سعيدا وكانت مغتبطة حد البكاء..
حين دخل صغيرها الغرفة كنت بين يديه..وكان يزهو بامتلاكي..
سنجعله في هذا القفص..سيكون معنا دائما..ستلعب معه كثيرا يا صغيري..قبلت رأسه..نزعتني من بين كفيه ووضعتني في القفص..
***
مر اليوم السابع..سألتني: ترى، كيف هي حال صديقي ؟..حزنت عليه كثيرا وفرحت لي أكثر..
في بهو منزلها كان قفصي..باستمرار كنت أراها..باستمرار كانت تبتسم لي وهي تمر..تمسح على ما تصل إليه من ريشي وتقبل منقاري الذي أخرجه لها فرحا متلهفا..وتقدم لي ما تيسر مما تطبخه من اكل لذيذ..
***
بعد شهر كامل من سعادتي بها كنت بين كفي صغيرها..غافلته وانطلقت محلقا في البعيد..
كان تحت نفس الشجرة..
زقزقت عاليا: أعطني روحي وخذ روحك..
لا، لا يمكن ، صاح عاليا..لقد أحببتها..
لم أحزن أبدا..وحلقت عائدا..
بين كفي صغيرها كنت..
كان الصغير يضغط على جسدي سعيدا بعودتي إليه..كان يضغط بقوة..
كنت شهيدها..
وفي حديقة منزلها كان نومي الأبدي..
كانت تبكي..وكنت في تربتها أبكي..
وفي تربتها البهية كنت جذرا لزهرة بنفسجية ترتوي بماء حنينها..
حين صرت عصفورا ...بقلم الطيب صالح طهوري/ الجزائر
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
27 ديسمبر
Rating:
ليست هناك تعليقات: