قراءة انطباعية بقلم الشاعر و الناقد السوري أحمد إسماعيل في نص الشاعر زكريا شيخ أحمد : نوم الخشب


نوم الخشب

ليس بإمكان الأخشاب  النوم
حين يكون هناك منشار بالقرب
تبقى طوال الوقت مستيقظة ، قلقة على مصيرها ،
بالطبع ليس كل الخشب يصاب بالقلق
فقط الخشب الذي لا يعجبه ما سيؤول إليه لا ينام .

الخشب الذي سيغدو كمانا أو نايا
ينام مبتسما و بعمق كبير ،
كذلك الخشب الذي يحب المغامرات
و السفر و رؤية البحار و المحيطات
ينام بسعادة بالغة
إن تأكد انه سيتحول لسفن و بواخر .

ينام برضى أيضا
ذلك الخشب الذي  سيصبح توابيت
يقول لنفسه
أنه على الأقل لن يغادر الأرض حتى آخر نفس في صدره
و هذا ما تحبه الأخشاب أن تبقى متصلة بالأرض .

بعض الاخشاب تعشق تحولها لخزن و طاولات
فتنام مسرورة .
بعضها تنام بفخر و غرور إن تأكدت أنها ستصبح منصات سقف عليها كبار الفنانين و الفنانات .
أعمق نوم تنامه الأخشاب التي ستتحول لألعاب أطفال .

وحدها الأخشاب التي لا تعرف مصيرها
لا تعرف النوم .

..................
القراءة

نثرية عميقة مبحرة في إسقاطاتها
المجاز  لغة تحول الجماد إلى روح ينطق بما يسكن داخلنا
فينطق شعرا بما يختفي من أصواتنا في اصوات الطبيعة
و  هنا نرى كيف حول شاعرنا المبدع الأخشاب إلى أرواح
و جعل من مطلع القصيد مدهشا
حين جعلها كحالة صنف من البشر يهجره النوم لسيطرة القلق عليه
لوجود منشار بالقلب سيجردها من جذورها
من الحياة
من التفاعل مع الطبيعة بحرية
لكن الشاعر بحرفيته أن يصف أن البشر أصناف
منهم من يموت وهم أحياء
لذلك تعمق في سخريته منهم
الصنف الأول
من يتحول لآلة موسيقى يفرغ فيها مالكه كل همومه فهي هنا تخرج كل مالديها لإسعاده و حتى لو أراد أن يعزف نشازا المهم أن تسعده
الصنف الثاني
يتحول لوسيلة نقل في البحار كسفينة
لكن المعنى العميق هنا أن تلك الوسيلة للتنقل هي بمعنى أنها الوسيلة التي سيصل بها مالكه لغاياته و مناصبه  ولو كان على حساب بلله  او تعفنه  داخل الماء و الرطوبة تنهش ذراته
 الصنف الثالث
وهو صنف التوابيت وهو الصنف الغير المبالي والذي يستعذب انه مطمور تحت التراب بحجة أنه على الأقل أن التراب هو من يضمه
وهنا نكتشف حرفية الشاعر و ابداعه
فهذه الحجة  هي حجة على ألسنة كل من يبقى في الوطن ويعيش تحت رجمة الذل و القهر و يتغنى بقوله يكفينا أننا نستظل بالوطن
الصنف الذي بعده
هو التحول إلى خزن و طاولات وووو
مستلزمات منزلية
هي فقط للإستهلاك للزينة لقضاء الحاجات تتتحول لجماد لا يستطيع حتى التعبير عن رأيها في قطعة لباس توضع داخل خزانة
هذا الصنف مشبع بالصمت لذلك حتى إذا قامت الدنيا وقعدت لا يهتز لهم شعر
لذلك عطف الشاعر على قوله
بأنها تنام بفخر و اعتزاز حين تكون منصة يدعس عليها المسؤولون
او لتلبي سقف طموحاتهم و نزواتهم
وكل ذلك وصفه الشاعر بمشاهد ساخرة جدا
وجعل الأكثر سخرية من يتحول لألعاب أطفال
فالاطفال كما نعلم يلعبون بعفويتهم ولا يدركون أنهم يكسرون ويحطمون تلك الألعاب
وهذا المشهد الأخير رغم أن المشهد يتسيده الطفل فهو إشارة إلى الحكام العرب
الذين هم كالأطفال يخربون الأوطان بحجة أنهم يستمتعون باللعب و بمصائر البشر
لذلك ابتكر شاعرنا تلك القفلة المدهشة ليربطها كفلسفة دائرية بما سبق
وحدهم من كانو على الهامش
من كانت اخشابهم ليست قوية
من كانت أخشابهم هشة
تجهل مصيرها ولا تنام  والقلق يحيط بها بكل لحظة
نص فاخر و محلق بالمجاز عميق بإسقاطاته
لله درك من مبدع .
قراءة انطباعية بقلم الشاعر و الناقد السوري أحمد إسماعيل في نص الشاعر زكريا شيخ أحمد : نوم الخشب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 12 يناير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.