أربع قصائد عمودية للشاعر السوري أحمد رفاعي


لو لم نَمُتْ
لو لم نَمُتْ
كُنّا حملنا نعشَ هذا الكونِ فوق أكفِّنا
كُنّا مشينا في جنازتِنا إلى السطرِ الأخيرِ
لا باردٌ هذا النهارُ
و لا طويلٌ
و القصيدةُ غيمةٌ يبستْ على شفتي من العصرِ المطيرِ
و يداكِ حقلُ بنفسجِ ينمو على لغتي
و تأويلٌ وحيدٌ لِ ” الحُلولِ ”
و ضفةٌ أخرى لذاكرةِ النشورِ
مُسْتَقطَعٌ هذا الزمانُ المُرُّ منْ أرواحنا
فَعِمِي مساءً
” صدرُ هذا اليوم ولّى ”
إنّ للطاغوتِ بيتاً عنكبوتِيّاً
و قد ينجو إلى حينٍ
لكيْ يتقيّأَ الأوطانَ من أمعائِهِ
كي يُطلقَ السهمَ الأخيرَ على أجِنَّتِه
على الكرسيِّ
و الرَّهطِ المُرافقِ
و الحضورِ
لو لم نمُتْ
كنّا ” اتّقينا لفحةَ الرمضاءِ ”
بالوجعِ المؤبدِ
بالسّعيرِ
يا أولَ امرأةٍ تفتشُ في يدِي
عن وجهها
عن خصرها الممتدِّ كالمنفى على الكلماتِ
كالوطنِ المخبّأ في السطورِ
و بين أجفانِ السطورِ
هذي يدِي
و أنا هنا في ملتقى شفتيكِ
أسئلةٌ عنِ الأمسِ الذي ولّى
و عن غديَ الذي خبّأتِهِ في قُبْلةٍ
ما كان أشْقى أنْ يُخَبّأَ في لَمى شفةٍ مصيري
…………………………….

دهرٌ من العزلة
وحيداً في الجنوبِ و في الشمالِ
يُعابثُني الزمانُ ………. و لا أُبالي
دمِي شغفي ….
و أضلاعي شراعٌ أسيرٌُ
عند رباتِ الجمالِ
و يومي رحلةٌ أخرى
و عشقٌ يُبدِّدُ
ما ادَّخرتُ منَ الزوالِ
أُجففُ ماءَ أمنيةٍ ……….. بوصلٍ
و أفْتَضُّ الحقيقةَ …….. بالخيالِ
و تنهلُ منْ سرابٍ ……. مفرداتي
لِيُدركَ طفلُها ……. عطشَ الرّمالِ
وحيداً …
للعبيرِ غدِي و يومي
كأنّ مشاتلَ الريحانِ آلي
و أرضي …
حيثما اسْتأنستُ قلباً
نديّاً منْ بذورِ الشَّرِ خالِ
أسافرُ في المرايا يقتفيني
سؤالٌ ضاقَ من عَنَتِ السؤالِ
تُرى كمْ غِيلَ في رَحِمٍ يقينٌ
و كمْ رضعَ اليقينُ منَ الضلالِ
وحيداً …
أتّقي عشقاً بِعشقٍ
فبعضُ العشقِ أَقْتَلُ للرجالِ
و أسجدُ عند زنبقةٍ تَعرّتْ
لِتفضحَ عُهرَ مملكةِ النِّبالِ
وحيداً ….
لا الحنينُ المُرُّ يُشْفى
و لا ضوءٌ لأهرُبَ منْ ظِلالي

…………………….

رحيل
لا شيءَ يوجعُ
كالرحيلِ إلى زُقاقٍ سائلٍ
منْ سقفِ كونٍ مُحتَضِرْ
عارٍ
سوى من دمعةٍ حيرى
و قلبٍ تائهٍ يرنو إليكَ و يَنفطِرْ
و يداكَ مجدافٌ قديمٌ
كلما حرّكْتَه لتلُمَّ بعضَ الوقتِ منْ شفةِ الغوايةِ
يَنشطِرْ
خُذْ بابَ قلبِكَ
ربما تحتاجُه لتنامَ في رُدُهاتِ هذا الليلِ
حين تضمُّكَ امْرأةٌ إلى أحضانِها
و تجيشُ أنهارُ الحنينِ
و تَدَّكِرْ
خذ بابَ قلبِكَ يا غريبُ
و نَمْ وحيداً
كلُّ من أحببتَهم قُتلوا
و وحدكَ مثلُ ذئبٍ
سيفُه دمُه
و في جَنبيهِ سكينٌ و وعدٌ ألفَ وعدٍ ينتظِرْ
لا شيءَ يوجعُ كالرحيلِ
بلادُنا هرمٌ تداعى فوقنا
و الحارسُ الليليُّ أجَّرَ أُمَّه للعابرينَ
لِيسْتَمِرْ
يتأبّطُ الحُرّاسُ وجهَكَ في المعابرِ
كلما وجدوا شبيهاً
أطلقوا النيرانَ كيْ تبقى وحيداً أو غريباً
تَجمَعُ الباقي لديكَ منَ الأغاني و الأماني
من مروءاتٍ و خبزٍ صالحٍ للعيشِ
كي تُلقي السلامَ و تعتذِرْ
عن أيِّ شيءٍ تعتذرْ
عن إسْمِكَ المحفورِ في شجرِ الحياةِ
و أمْسِكَ المصلوبِ قربَ الذكرياتِ
عنِ الجراحِ الغائراتِ
عنِ التي ولدتكَ من شَمَمٍ
و ماتتْ كيْ تراكَ
و لمْ تزلْ تُحصي خُطاكَ على ترابٍ مُسْتَعِرْ
عن أيِّ شيءٍ تعتذرْ
عن طفلةٍ تمشي بلا قدمينِ
عن أخرى بلا مأوى
و أخرى قبل أن تأتي بيومٍ تنتحرْ
عن جثّةِ الوطن المُسجّى في يدَيْ أمٍّ
تُقبِّلُه
و تمسحُ وجنتيهِ
تُقلِّبُ الأحداقَ في كبدِ السماءِ
قريبةٌ و بعيدةٌ هذي النجومُ
و كلُّ شيءٍ مُكْفَهِرْ
لا شيءَ يوجعُ
كالرحيلِ إلى زُقاقٍ سائلٍ
منْ سقفِ كونٍ مُحتَضِرْ

…………..

إلا أنتِ
كم قلتُ :
إلا أنتِ ، إلا أنتِ ، إلا أنتِ
لكنّ القصيدةَ لم تقلْ ما شئتُ
و اخْتلفَ الرواةُ
أَلِكُلِّ قافيةٍ مداراتٌ و أقمارٌ و ذاتُ
مِنْ فَجْرِها
تلِدُ القصيدةُ ذاتَها
و يطوفُ حولَ رَوِيِّها الشعراءُ و المعنى
و يعتكفُ النُّحاةُ
قالوا: يحبُّ البحرَ
و اكْتشفوا سواحلَ في القصيدةِ
يستحِمُّ الموجُ في خلجانِها
و يَؤمُّ شاطئَها العراةُ
و روى ثقاتٌ أنها كانت دمشقُ
و جيءَ فوق قميصِها بِدَمٍ
كأنّ الشامَ لم تُقْتلْ
و لم يَهتِكْ أغانيها الرّعاةُ
كم قلت
إلا أنتِ ، إلا أنتِ
و اسْتشهدتُ بالكُحلِ الذي صلّى على جفنيْكِ
إنّ الكُحلَ أصدقُ حُجّةً من ألفِ سيفٍ
حين تصهلُ في مغانيها الحياةُ
مِنْ شامةٍ في الصدرِ
يبتدئُ المدى أسفارَهُ
و على طفولةِ شامةٍ في الخصرِ
تَلْتَمُّ الجهاتُ
كلُّ القصائدِ تشتهي عينيْكِ
تسْكُنها …
و تنساني شريداً
حِبْريَ الأشواقُ و المنفى دواةُ

أربع قصائد عمودية للشاعر السوري أحمد رفاعي Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 04 يناير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.