داخل الحوريّة الحديديّة ...بقلم هيثم الأمين / تونس


داخل الحوريّة الحديديّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل أحصيتَ عدد قتلاك؛
قتلاك الذين تساقطوا منكَ
و أنتَ تعبُرُ من ضفّتِكَ التي لا تؤمن بكَ
إلى ضفّتِكَ الأخرى
حيثُ وجهُكَ، الذي يُشبهك تماما، لا يُرهُقُكَ
و لا تضعُ أمامه نظّارات سوداء حتّى لا تراهُ / يراك؛
ضفّتُك الأخرى أينَ حذاؤك على مقاس خطواتكَ
و لا طريقَ يمنحكَ سببا إضافيّا للتّيه
أو للهروب
أو للعودة
و حيثُ تكون أصابعكَ،
للمجانين، ثريدا و نبيذا
و حليبا و لعبا جديدة للأطفالْ؟ !
أنتَ؛ الذي تُشبهُ كلّ قتلاكَ و لا تُشبهُكَ
كما الوحش الذي هو ابن البحيرة التي ابتدعت خدعة النّهر
لتسقي، ريقها، لحبيبها البحر البعيد؛
تجلُسُ على ضفّتك، التي لا تؤمن بك، كشاهدة قبر
و تشتُم جسدك العجوز الذي يحتويكَ
كحوريّة حديدية زمن محاكم التفتيش،
تفتلُ من صراخك حبلا
لتصعد إلى رأسك الذي يعجُّ بمراهقين مجانين
و بأطفالٍ ينامون حالمين بالعيد
و تتضخّمُ فيكَ أكثر و أكثر
فتخترقك مسامير الحوريّة الحديديّة أعمق و أعمق.
هل أنتَ متعبٌ؟ !
تخرجُ من صمتكَ إلى صمتكَ
مُتّكئا على وقت يعاني من الشّلل الرّعّاش
و حاملا، على كتفك، شوال خطاياك
فقط، لتُثبِتَ أنّك لستَ عالقا، بكلّ عطشك، في الدائرة
و لكنّك تمارس دوران الدّراويش
لتتجلّى، أمامك، كثقب عظيم خارج الحوريّة الحديديّة !
هل أنتَ متعبٌ؟ !
تنتشرُ، كضوء خافت جدا، داخل كلّ عتمتكَ؛
عتمتك الشاسعة كحزن وطن مصاب بالحرب؛
تختلقُ أصواتا جديدة حادّة كأظافر الجنْ
لتقشّر، بها، ما علق على جدران حنجرتك من صراخ مكتوم
و تقهقه
فقط،
لتُقنع ظلّك المهووس بالانكسار
أن لا شيء يدعو لركضه خلفك و أمامك !
الآن، تسحبُكَ خلفكَ؛
أنتَ و كلّ قتلاك؛
باحثا عن مقبرة واسعة كفراغكَ
لتدُسّكَ، فيها، و كلّ أشباهكَ
ثمّ تُقيم، على أطرافها، كلّ طقوس البكاء
و حين تنتهي،
و كأنّك لم تكنْ،
تفتحُ الباب الخلفيّ للحياة
و تغيبْ.
داخل الحوريّة الحديديّة ...بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 20 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.