رائحة الدُخان في ثيابي و نصوص أخرى للشاعر العراقي حميد الساعدي



رائحة الدُخان في ثيابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صُبّي دُموعَك ِ
في وعاءِ الجمرِ
في قلبي 
لتَنتَفضَ المَسافَةُ
بين نارين
الهوى والناس
تتعَبُ أُغنيات المَيِّت المألوف
تُكَفكِفُ وردَةٌ عَن دَمعها
وتدق أسفيناً على قسماتِ هذي الأرض ،
تَتَشحُ الزَنابق ،
هَل سَمعتُم بالزَنابق
تُتقِن الأشياءَ لُعبَتَها وتَمضي ؟
وَيّلها
كَم سامَرَت هذي الرياحُ
وكمْ تَغَنَّت بالأصيل ِ .

لَعَلني أنساكِ كاهنتي الصغيرة
عَلَّ مَنْ غادَرتُهُ سَأَعودُ فيهِ
وَعَلَّ مَنْ جاوَرتهُ يشتاقُ لي
ولَعَلَّ مَنْ حاوَرتُهُ سَاَموتُ فيهِ  .

أُكَلِّمُ الأشجار والأنهار واللُغَة الرماد ،
تَشِقُ جذع الأرض
هَل تَشتاقُ للنَبتِ الحَزين ؟ ...
غّداً سَاُخبرُها 
فَسيري في طَريق المَيّتين
سَتَتعَب اللُغَةُ الكَسيرة
مِن مُطاردَة البَغايا في شوارعها
وَحيثُ الله
يَكسرُ حاجزَ الزَمن الكسول
يُكَلِّمُ الأشياءَ ،
تُتعبنا طيور الحُب في العَرباتِ
والساحات نَملؤها بروح الخَيمَةِ السَوداء .

هذا وَقتُها
صُبّي دُموعَكِ
في وعاءِ الجَمرِ أو في الخَمرِ ،
لا فَرقَ ، اتَحَدتِ معَ العروقِ ،
مَعَ البروقِ ، وصِرتِ دونَ المُتَقين .

هَل تأخذُ الأشياء
شكلَ اليائس المحزون ؟
هَل تتمَنطق الأشياء
في مَيّلِ الشراع ِ على نواصي الموت ؟
هَل تَأتينَ في الغَبَش ِ الطّهور
لكي تَصبي دَمعَة ً
أو تَنحَبي بينَ انكفاءٍ باسقٍ ،
تتردَدينَ معَ الرياح ؟
هَل يَخرجُ القدّيسُ مِن حَيرتهِ
أو هَل سَتَأخذ شكلها الكلماتُ
مُعجِزَةً
وتُعولُ بينَ هدب الشمس ،
زائرَةً مفازات التَغَرُب بينَ نارين ،
الهوى والناس
والجَدل الذي يمحي وجودَ المَيِّتينَ ،
وعالم الأحياء ،
وحدتها الطبيعة ،
صَيحَةَ الأشجار ،
رايتُها الحُقُول المَيِّته ،
لا فَرقَ بينهما دَمٌ وشجيرةٌ
وعزاءُ وَحدَتها وسحرُ المَلكة .

هَل تَلبَسُ التيجان
رَأسَ الكاهنِ المَنهوكِ
في شَجرِ التَفاؤلِ ،
والتَطاولُ لُعبَةً أَمسَتْ قَديمة ،
هل تَنشرينَ معَ الأرواح
رايتكِ الكَسيرة ،
تصمدينَ بوجهِ أحباب الضَباب ،
تُفَسرينَ الكونَ والدَوران ،
بَدءُ خليقَةِ الإنسان ،
تُقَربينَ نحوكِ آدَمَ العَربيّ ،
تُفاحَ الخَطيئَةَ ،
يوسُف المَكلوم ،
ها هُنا أنتِ اتَحَدتِ معَ العروقِ
مع الضَباب ،
وَصرتِ دونَ المُتَقين .

لا شيءَ غيرَ الريح ....
كوني وردَةً ،
تَبكي الخنادقُ في ثيابِ المَيِّتين .
لا شيءَ غَيرَ الريح ....
كوني شَمعَةً ،
قَضَمَت ظَفائرها وشابَتْ من سنين .

في المُعجَمِ الشِعريّ ،
في البَردِ الصَباحيّ ،
الشتاءُ يَحلُّ من تَعَبِ الفُصول ،
سَتَرقبُ الكلماتُ كاهِنَها ،
وَتُدَمرُ الأشياء لُعبَتَها ،
وتُبعَثُ مِن جَديد ٍ
بانتظارِ بدايةٍ أخرى ،
وَتَختَرق المدينةَ
قاطراتٌ
في الصدى المَلهوف ،
مُطلِقَةً :
مَفاعيلن ، مفاعيلن ، مفاعيلن ،
وتأبى أن تدورَ لغيرما سَبَبٍ ،
سَتَرجمنا بحَقِ الغَيب ،
حَقُ الشارَةِ العَمياء ،
كوني وَردَةً ،
تبكي الخَنادقُ
تَلبَسُ التيجان
تبتَسم الحقول
لا فَرقَ بينهما :
دَمٌ وشُجَيرةٌ
وعزاءُ وَحدَتها وسِحرُ المَلكة .
----------------------------------------

سَنَةٌ أُخرى ....
تُعاقرنا المَتاهة ُ
للدروب ِ
شقاوة ِالولد ِ الصغير ِ
وللمرافئ
صرخة النَزع الأخير
يموتُ فينا الوَلهُ الشِعريّ
للسُفُن ِ البعيدة ِ
لاشتهاءات ِ القصيدةِ .

سَنَةٌ أخرئ ...
سَتَجمعنا المَذابحُ والتعازي
بالتراتيل ِ الحَزينة ِ
والصُوَرْ
والتَشَرُّد
والأقل من الكِفاف
مامَرَّ
كانَ الذكريات
وسَوف َ تأتينا
نُبوءة ُ مَنْ غَبَرْ
نُعانِدُ اللّيل َ
بما كانَ مِنَ الكلماتِ
نَختَزِلُ الكوارثَ
في إناءِ الصَبر ِ
تأريخاً أغَرّْ.

سَنَةٌ أخرى ....
تُرافقنا الأكاذيب السَخية ِ
والعُروش المخملية
والحروب الخاسرة
لا شيء يأتينا
ولا أشجارَ تَخضَرُّ بِوادينا
وهذا الفارق الرَقَميّ
لا يلغي
سوى جَسَد العَناوين الهَزيلة ِ
بينَ صمتي والمَطَر.

لا توقظوني
حينَ تَنتَصفَ المسافة ُ بين َ أيامي
وبدء رحيلكم
لا تشتموني
حين أعطيكم بشاعة َ عامِنا
وأغلف الكلمات بالموت ِ الرخيص
فلَستُ يُوسُفَ والقميص

سَنَةٌ أُخرى ....
ستَكتبُنا وتمضي .
-------------------------
لَنْ تخذلني 
حينَ أواسيكَ بضحكةٍ عابرة
وأنا ممتلئ بالهموم
وأضحكُ في سِرّي كثيرًا
مِن هذا الفَم الذي يتمَرَّدُ عليَّ
كيف يطلِقُ ضحكته العابرة
وحولَهُ كل هذا الخراب؟
مازلتُ أصغي لرياح المكائد
المكائد التي تُمطر الجسور
بالموت
قلتُها مرةً عن الجِسور
بأسمائها الصادمة
فكان معي / جسر الأئمة /بزيبز/ الرابع/ الخامس/ الحديدي/الجمهورية/السنك/ الأحرار /الحضارات/ الزّيتون ..........
وما من فجرٍ يضحكُ للصِبيّةِ
فقراء يا الله
وما من مَعبَر
لحياةٍ مُثلى
لا تعبر أو تعبر
فالموت رهان صعب
لجسدٍ يومضُ في موته.

------------------------------


ضَيّقة هي الدروب
ومكتظةٌ بالأسى
الفقيرُ
وأولادهُ الجائعين
شِعارٌ
على حائِط المَرحلةْ.

*

حينَ يغدو القِطافُ
قَريبًا
سننسى الرِّهان
على فكرةٍ زائلةْ.

*
-----------------------

الأرض الرّخوة
تحتضن السّموم .

شجرة خضراء
تحيطها الأحراش .

الدماء العالية
أرصفة صامتة .

البلد الجديد
إعلان مموّل.

الاختلاف نعمة
تخترقه العتمة.

الأوراق تعلو
للريح القرار.
-------------------------

تُنقذنا حينَ نَسهو
كلماتٌ مطبوعة
نتبعثرُ كالرّيش
لطائرٍ أُصيبَ
بصدفةٍ غبيَّةْ.

نَنجو حيثُ الكدمات
تَتسامى لُطفاً
وَقتُنا في المَزادِ الأدنى
لزبائنِ التّخمة .

الفراديسُ مهمومةٌ بالردى
والأثير اصطحاب الغياب
يُنتجهُ المتأولُ
بقميصِ الأخوة.

على اليافطات الحزينة
أسماء المحظوظين
تُنقذنا من سهو اللحظة.

تتحدّى أيامك
والوهن الصاعد
نسغاً
لايروي ظمأ الشُّبهة.

تقرأ القصيدة
فيرنُّ هاتفك
يَنْحرُ الكلمات.

خياراتٌ صعبةٌ
بين القصيدة والحلم
أيُّهما يقتل الآخر .
------------------------

الألوان شاهدة
على أن اللّون الأحمر
يسمو
على كل الألوان.

الدّماء لن تكون
سوى سوائل
تمتصها الأرصفة
لتورق
شهداء
بلونٍ أحمر.

اللّون والمعنى
لوحة قهريّة
لايرسمها إلآ الفقراء .
------------------------------

مِنْ شِدّْةِ القَهرِ
لا مِنْ شِدّْةِ التَّعَبِ
أنوءُ بي وأُغَنّي
في المَدى الرَحبِ
نازَعتُ قلبي
على الأوطانِ مُرتجلاً
حُمّىً بحمّىً تُساقيني
بلا سببِ
كأنَّني في اِرتيابِ العمرِ
مُرتجفٌ
خَيّرتُ قلبي
بما يختالُ من عجبِ
والحرفُ
أعجوبتي السَّمراءَ
من خجلٍ
يُكَلّلُ العُمرَ جمرًا
زِيدَ من لهبِ
آليتُ مني انكفاءً
ظلَّ يَزحمُني
حتى تماديتُ
فيما كانَ من سَغَبِ
هذي مَحَجَةُ صوتي
حين تسمعها
تروي الحنايا
وما في القلبِ
من عَتَبِ.
---------------

أصابعي التي

تحترف البكاء

تعي جيدًا

أنَّ الغيمةَ

ليست إلآ روحًا

تلقي بأثقالها

دموعاً صاخبة .
--------------------

الأجوبةُ تموتُ برفقْ
الأسئلةُ
فقرُ الأيام الحافية
على أشكالها
تتيَّبَس النَّياشين
لم يكن من الخلود في شيء
أن تُصفحَ عن القتلة
وتترك اللافتات للشوارع
هذا الذي قرأته
عن خدِّك الأيمن
المصفوع
فضائح الانكسار
خُذ العفو
لكن دَعْ الجاهلين
يتلبَّسون السواد
الأَمام هو كل شيء
الأَمامُ الأَمام ...
كُلُّ شيءٍ
يَقينهُ البقاء
الصعودُ موشومٌ بالخيانات
والنزولُ أكاذيب الحمقى
الوَسَطُ انحراف البقية
عن فدائح الجملة الغائبة
الأسئلةُ تنهشُ
والأجوبةُ
مغطاةٌ بطبقِ حلوى
يُغطيه الذباب.
---------------------


رائحة الدُخان في ثيابي و نصوص أخرى للشاعر العراقي حميد الساعدي Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 05 أبريل Rating: 5

هناك تعليق واحد:

  1. كل المحبة والتقدير صديقي الشاعر زكريا شيخ أحمد لهذا الكرم والاهتمام الرائع.

    ردحذف

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.