فوضى .....بقلم هيثم الأمين / تونس



ما عاد يهمّني صراخهم و هم يقفزون من النافذة
أبنائي الكثيرون؛
أبنائي الذين مازلت أخترع أسماءهم
و أنسى
أن أسجّلها على شاطئ امرأة؛
أبنائي
الذين لم يجرّبوا الولادة بعدْ
و جرّبوا كلّ أشكال الموت و هم يتدلّون من أصابعي.
أجلس في غرفتي
كفزاعة قشّ أحالها الحقل على التّقاعد الاجباريّ لتواطئها مع العصافير،
أدخّن كثيرا،
أمنح أصابعي لفئران الأبجديّة فتقرضها بشراهة
و لا أهتمْ
لحزنها و هي تقطّعه مع الحبّار لتعدّ لنا العشاء
زوجتي؛
زوجتي التي لا أملك لها صورة واحدة
و لا أخبرني منام ما باسمها؛
زوجتي التي أنهكتها خياناتي
فصارت تبحث لي عن حبيبة جديدة،
كلّما عدتُ إلى غرفتي مرتديا حزني الطّويل
ثم تذهب الى المطبخ
لتعدّ حزنا جديدا لها
و تعدّ لي و لحبيبتي الجديدة وجبة فرح؛
زوجتي التي
لا اسم لها و لا عنوانا و لا رقم هاتف
و لم أصادفها،
يوما،
على رصيف يمتهن ضرب المواعيد بين الغرباء.
يومي، حافلٌ بالآخرين
فأنا،
و منذ وحدتي الطويلة،
صرتُ أشتغل مرشدا سياحيّا؛
تأتي الحافلات و القطارات محمّلة بأطياف من عبروا
و بأطياف من لم يأتوا بعدْ
فآخذهم في جولة في ذاكرتي.
أعبر بهم، في زوارق خفيفة، كلّ جروحي،
أُلزمهم بزيارة متحف ذاكرتي
حيث يقف الموتى، هناك، بطريقة دراماتيكيّة تمنح الزوّار  رغبة في البكاء،
أُطلعهم على كلّ الصور التي أحتفظ بها،
نتناول الغداء في مكان مكشوف يطلّ على آثار حضارة أحلامي المندثرة،
أعلّمهم كيف يصنعون ندبا مجفّفة تصلح لبرد الحنين الطويل
و قبل غروبي
أبيع لهم صورا تذكارية لي حين كنتُ أُشبهني.
في كل هذه الوحدة
ما عاد يهمنّي أنّي أجلس متفرّقا؛
يفتح رأسي النافذة
و يحضر، خلسة، حفلة لنجمة الجاز  إيلا فيتزجيرالد
رغم أنّه لا يفهم شيئا من الانجليزيّة،
قلبي،
الذي لا يفهم شيئا من الانجليزية أيضا،
 في ركنه الأيسر
يترنّح على أنغام أغنية بوب مارلي "No Women No Cry"
و يضحك جدّا
كلّما ألقى عليه شرطي التحيّة !!
أمّا أصابعي
فلا تتوقّف عن الرّكض خلف شارل آزنفور
و هو يغادر أغنيته "  Le palais de nos chimères "
بحثا عن حبيبته و عن زجاجة موسكاد جديدة ليكمل بها حزنه
بينما
أنا و حاسوبي
نشغّل أغنية أم كلثوم " دارت الأيام"
و لا نأبه لشيء....
فوضى .....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 05 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.