سكاكينٌ باردة ...مقالة بقلم أمبي الدهاه عبدالرحمن / موريتانيا
*سكاكينٌ باردة
يحدث أحيانًا، بل كثيرًا ما يحدث، أن تدخل في علاقة مع أحدهم دون أن تدري لماذا ولا كيف، هناك فقط شيء ما أخذك على حين غرة و أرادك أسيرًا مكبلاً بأصفاد التعلق، نعم يحدث، و يحدث أن تسهب في إعطائه كل ذاتك حتى تخسرها فجأة، تتنازل عنها و أنت على يقين أنه لا يهتم حتى بوحودها أصلاً جنبه، تكتب له رسائل تعج بالكلمات، سطور على شكل نصوص محشوة بالكثير من الحب و الإهتمام، ثم يرد بكلمة يتيمة، تتكون من حروف خرساء، ثلجها الصقيع الذي بداخله. تمطره بوابل من الرسائل التي اثخنها الشوق أحيانًا و أحيانًا تنبجس دافقة دون سبب، عسلية المذاق، يفوح منها عبير الزهور، صافية دون تكلف، رقيقة كخيط الصبح المنسل من ظلمة الليل، لكنها تُترك دون رد، صوتية كانت أو مكتوبة، يرد على بعضها و البعض يأخذ مكانه في سلة التجاهل، في كل مرة تحاول فتح حديث ما حتى يطول الكلام بينكم، دون فائدة، فلا حياة لمن تُكاتِب، تجد نفسك تكلم شاشة صماء، كعابث يرمي قلبه المضرج بالحنين و يتركه يسبح في الفراغ دون وجهة محددة، في كل مرة عليك أن تبدأ بالكلام و إلا فلن يتكلم هو، تبحث عن الكلمات المناسبة، تريد فتات كحب خمخم يجتره من طرفيه إليك، تكدس له الرسائل ثم تكدس حتى تدخل في دوامة من التيه، لأنك افرغت ما في جعبتك من بارود، تبدأ تبحث عن حالة لتكون بداية حديث، عن موضوع طارئ، عن سؤال ضل طريقه ذات لحظة، عن أغنية، عن أسم كتاب أو كاتب، صديق أو حتى صورة، و تلجأ إلى تكرار السلام و نفس الكلام. لكن الردود الباردة تذبحك بسكين مشحوذ. تتخذ إجراءات أخرى لتباعد كلامكم، علّ ذلك يولّد إهتمامًا من العدم، لكن لا شيء يوجد من العدم. تظل نفس المعادلة قائمة حتى تغوص في النسيان و يعود كل شيء إلى أصله. حدثت فجوة و ظلت تتسع حتى وضعت كل واحد منكم على طرف بعيد من الآخر. حجج كثيرة، وفرة في الأعذار تتكالب علينا، حتى نعودوا غرباء كما كنا. لكن من المؤلم أن هذا الشخص يظل حيًا بداخلي لفترة طويلة أو إلى الأبد.. صديق، صديقة أو حتى حبيبة.
كل هذا حدث معي، حتى أوصلني إلى كل هذه القسوة و تحجر القلب الذي أنا عليها الآن، لم أعد أهتم ولا أبالي، لا بمن يحبني ولا بمن أحبه إلا ما ندر. إذا حدث و رأيت شخصًا يقتل باستمرار دون إظهار أي ندم، تأكد أنه قد تعرض لمحاولة قتل مرارًا وتكرارًا بدم بارد.
سكاكينٌ باردة ...مقالة بقلم أمبي الدهاه عبدالرحمن / موريتانيا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
25 مايو
Rating:
ليست هناك تعليقات: