بضاعة كاسدة ...بقلم هيثم الأمين / تونس
هذا الشّارع الطويل جدّا،
كوقت يمرّ على صدر عجوز متقاعد منذ عشرين عاما
و قضى نصف تقاعده جالسا في كرسيّ متحرّك،
يمرّ بجانبي
و لا يهتم
لواجهة صدري أين رتّبتُ بضاعتي؛
بضاعتي:
كآبات قصيرة بصدور نصف مكشوفة،
وجوه كانت ستصلح لحضور حفلة تنكريّة لو أنّ الفرح حالفها لكذبة واحدة،
ضجيج رياضيّ،
مقاسه كبير جدّا،
يناسب مقاسات أقدام الوحدة الطّاعنة في الصّمت،
دخان سجائر لم تفسد مزاجه، قط، تأفّفات امرأة و لو عابرة،
ملاءات و وسائد مراهقة
مازالت تعتقد أنّ الحبّ ورديٌّ
و أنّ الرّاحلين يقطعون تذاكر ذهاب و إياب،
مساءات تجيد التسلّل إلى الشّرفات و سرقة القبلات الصّغيرة،
دواوين شعر هاربة من أصابعي
و لا ورق آمن بنبوّتها
يسافر،
في قصائدها،
دونكشوتيّون،
يشبهونني تماما،
على صهوة خيول خشبيّة
و مطر، غزير جدّا، يعاني من رهاب المرتفعات.
ربّما،
لا يملك الشّارع الطويل جدّا،
في جيبه،
ما يكفي من النّقود ليشتري منّي !
ربّما كان فقيرا
رغم أنّه يرتدي بدلة أنيقة تزيّنها سيّارات فاخرة
و اشارات مرور ضوئيّة و الكثير من الشرطة !
أو ربّما
كان على عجلة من أمره!!!
ربّما استيقظ متأخّرا، هذا الصّباح
و المقبرة،
حيث يذهب كلّ يوم،
مواعيدها دقيقة جدّا
و لن تحتمل شتائم الموت من أجل شارع يستيقظ متأخّرا !!
في الحقيقة،
كلّ من مرّوا بجانبي
لم يشتروا منّي شيئا !
حتّى تلك المرأة الأنيقة الشّغوفة بالتّسوّق
و التي قلّبت كلّ بضاعتي
لم تشتر منّي شيئا
معّ أنّي وعدتها بتخفيظات هامّة جدّا
و كنت سأبيعها كلّ بضاعتي
مقابل قطع حبّ مزوّرة
و أن أشاركها قهوة في مكان عام !!!
وحده جاري
عمود الإنارة الأعمى؛
الذي فقد بصره بسبب قبلة أراد أن يتبادلها مراهق مع فتاته و خشيَ،
العاشق الصّغير،
أن يفضح العمود سرّهما؛
مازال كلّ مساء،
و أنا أستعدّ لغلق واجهة صدري
لأعود إليّ، هناك، حيث أعيش، في آخر وحدتي،
يتحسّس بأصابعه بضاعتي
ثمّ ينفجر ضاحكا
و أحيانا،
يتنهّد و يبكي.
بضاعة كاسدة ...بقلم هيثم الأمين / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
04 يونيو
Rating:
ليست هناك تعليقات: