الرّجلُ الزّنزانة ...بقلم هيثم الأمين / تونس




"لا أسباب وجيهة للبقاء"
تكتبها الطّاولة
و تدسّها في عبرة امرأة تحترق
لتضيء رجلا
يلملم تفاصيله
من شغبها الصّباحي،
من طريقة اعدادها لقهوته
و من خزانة ملابسها.
"أنتَ وحدك تماما
كقطار بخاريْ
سقط،
قبل مائة عام،
في واد سحيق"
يردّدها كرسيّ،
فارغ،
يجلس تحت المطر
على مسامع رجل
يتابع تساقطه
من وراء النّافذة !!
" أنا
أتساقط، دائما، مع المطرْ"
يقول الرّجل المتساقطُ
لأصابعه
و هي تتحسّسُ طريقها نحو امرأة
كانت هنا
و كانت تحبّ المطرْ.
في المطبخ،
كمراهق أرعن،
لا تتوقفّ "الكوكوت" عن الصّفيرْ
و هذا يزعج القطْ
و يزعج النّافذة
و يزعج المرأة الباكية في الحمّام
" أحتاج طريقة مختلفة للانتحار
كأنْ
أحبّكَ أكثر
أو
كأن أسقط من سريرك الشهيّ بكَ
لأرتطم بوحدتي"
تكتب المرأة الباكيةُ،
بأحمر الشّفاه،
على صدر رجل يتعاطى الغياب.
" أنتَ
لم تمت بعدْ
رغم كلّ جنائزك التي شيّعتها
إلى صمتها الأخير
و رغم ظلّكَ
الذي ما عاد يبحث عنك في الحانات
كلّما تأخّرت في الحزنْ"
تهمس التّنّورة القصيرة لنادلة الحانة
لحذاء رجل جائع جدّا
يشتهي طبق ضحك!!
"من أطفأ الضّوءْ؟!!
أريد أن أراني قبل أن يسقط البرتقال عن صدري
و قبل أنْ
تجوع أصابع حبيبي
و قبل أن تستعير فزّاعة القشّ، منّي، شعري"
تصرخُ،
بكلّ الخدر المتسرّب فيها،
امرأة في غرفة العمليّات!!
أنا...
لستُ بصدد البكاءْ
و لكنّني رأيتهم جميعا
المرأة التي تحترقْ،
الرّجلُ القطارُ البخاري،
المرأة الباكية في الحمّام
و أزعجني صفير "الكوكوت"،
الرّجل الذي يشتهي طبق ضحك
و المرأة في غرفة العمليّات!!
أنا
لم أرهم
و لكنّهم كانوا، بداخلي، يتألّمون
و كنتُ عالقا داخلي
و لا رصيف مدّ عنوانا واضحا لي
لينتشلني
و "كاتالوغي"
أحدهم مزّق الورقة الخاصّة بالهرب!!
الرّجلُ الزّنزانة ...بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 11 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.