أحد عشر نصا للشاعرة السورية ريهام عيسى
لا يعنيني كثيرا رحيلك..
ولا أهتم بالوداع....
أنا أهتم فقط
بالحنين الذي قيد أصابعي
بلون السماء في الليل...
بشكل الجدران ..
بالنافذة الوحيدة المغلقة
ورائحة البحر التي تملأ المكان
بالحزن الذي أخذ شكل وجهك، وصوتك الذي تركته يطرق فوق قلبي.
بالعصفورة التي بنت عشا على كتفي..
كيف أقنعها أني لست شجرة ،وأن السير أصعب بكثير مما يتحمله عقلها الصغير.
=========================
صباحا
بينما ينشغل العالم بلملمة أحلام ليلة الأمس ، ونفض الغبار عن الوجوه المعلقة قبل ارتدائها....
تنشغل أنت بقطف ابتسامات النساء
ونفض الملح عن سريرك ...
ابتسامات شهية...طازجة وحلوة ..
كلما رششت ملحك من عليها
تحلو أكثر...وتنضج أكثر
تجمعها وتضعها في صندوق تحت سريرك...
أول لقاء بيننا كان مباغتا...
أدهشني منظر الملح على حواف السرير .
كان علي أن أسألك عنه
لكن فضلت أن أزرع لك ابتسامة...
وتجاهلت ملحك
وصوت الضحك الذي أسمعه من تحت السرير...
وحين تصير ابتسامتي ضحكة في الصندوق ...
أطلقها في وجه امرأة
تنبت ضحكتها على سريرك في لقائها الأول معك.
27_6_2019
===============================
أن تكون من مدينة ...
يدلف الحزن من سقوف بيوتها...
يعني أن لا نجاة من الغرق.....
لذلك لا تتجنب السماء...
حدق في وجه الله فيها،واسأله عن الموت...
كيف يتمادى أمامه ؟
اسأله عن صديقك....
كيف تحول إلى صورة معلقة في قلبك ؟ تسحقك كل ليلة بثقلها....
اسأله عن هذا الوقت.....
إن مضى...هل ننسى...؟
هنا في مدينتي....
أخاف النظر في عيون أحدهم...
لأني كلما حدقت في وجه عابر سقطت منه جثة....
وكلما رفعت عيني نحو السماء...فقدت الله.
================================
لايهمني كثيرا مايشاع عن تشابهك
أستطيع تمييز اختلافك بوضوح
شاب في منتصف الحضور
له صوت كثيف وأصابع كثيرة
عيناه في ظهره وقلبه في وجهه
جسده محشو بالنساء ..
يداه مبللتان دائما
فوق كتفه الأيمن غابة
وعلى كتفه الأيسر حطاب
تفوح من شعره رائحة تراب أول المطر
ينبت من فمه جسر
مثقوب عند كلمة أحبك تحديدا
أراقبك دائما لأنتبه لأي تشابه
قد يظهر فجأة....
لم يعد مهما أن نبقى معا أو نفترق
فمن هذه الزاوية بالذات -زاوية الغياب -
تبدو أكثر وجودا.
=============================
لا مكان هنا للفراشات الملونة
تصرخ امرأة تجلس في قعر بئر
وتحك جلدها الخشن بجداره
انتظرت صوته لربع قرن..
انتظرته وهي تعد كل خيبات العمر
ولاتنام...
مر بقربها ...ولم ينتبه لرائحة الوقت الميت
على عنقها....
ولم يسمع عويل الأخرى التي تعيش في
قعر قلبها...
رحل يغني بعيدا
لنساء لم يعرفن شيئا
عن غمس الوجوه في التراب
ولا عن تطريز الشمس على جدران السجون
ولا عن استجداء الضوء من ذاكرة الليل..
لنساء يعشن في منتصف الرغبة ولا يحترقن.
لم تكرهه،ولم تكره النساء الأخريات أيضا
فقط كرهت البئر
وجلدها الخشن
والمرأة القابعة في قلبها
وأنها لم تتعلم الرقص
ولا المشي في طريق مستقيم
الطريق هنا دائرية وكل خطوة
نحو الأمام عودة إلى الخلف
البئر مكان مخيف لا مكان فيه للفراشات الملونة
وقلبها مخيف أيضا لا مكان فيه لامرأة بجلد ناعم.
===============================
رغم انو هالنص عمر كتابتو تقريبا 6 سنين بضل أكتر نص بيشبهني..
كنت دائما نصفين ،وبيدي قتلت نصفي الأول مفتوحة العينين ...
دفنته في أحلامي...
لم أؤمن بالأشباح يوما ،حتى ظهر شبح نصفي المقتول....
ولأن الأشباح لاتموت عبثا أحاول قتله.
يطاردني...يفترش أرصفة الشوارع التي أمر بها.....
يبعثر دفاتري المدرسية....
لدفاتري أشباح أيضا يرميها تحت قدمي ..أتحداه أدوسها..
تحرقني بعض الكلمات المدونة على الصفحات الأولى أتعثر ببعضها ولكن لا أقع...
شبح نصفي المقتول
لايسكن الليل والبيوت.....يسكن الشوارع ويظهر في وضح النهار...
يحمل عيونا دامعة ويصرخ بصوت مخنوق قتلت النصف الخطأ....
لا يكترث لقوقعتي،ويصر على طرقها...
يقطع ألسنة الجيران وينشرها على حبال الغسيل خاصتي ويصرخ أعيديها عندما تجف...
ولأن الأشباح لاتموت ....
علقت بين جريمتين وشبح وجثة....
نصف قتلته....ونصف يقتلني...
شبح يلتصق بي نهارا، وجثة أزورها كل ليلة في أحلامي...
=====================================
مصلوبون على خشب التشابه
دقت بأعيننا مسامير الخوف ....
نعيش خارج الوقت، وخارج الأحلام...
نلوح برئاتنا...
كل محاولة فاشلة للنجاة هي غوص في الموت أكثر....
الموت الذي لا يقتلنا ....
يتلاعب بوجودنا ...
يدفع بنا لنمشي على حبل الحياة برجل واحدة ،فنختار الوقوف دائما لأننا نعلم جيدا أن :
كل خطوة على الحبل تقابلها أخرى في الفراغ ..
===============================
أعيش داخل صوتي..
صوتي كان واسعا في ما مضى ..
كنت أمد فيه جسدي كاملا...
أرفع يدي عاليا..
أرسم داخله سماء ،و في منتصفها شمس لا تغيب..
كانت جدرانه صرخة ...وسقفه كلمة
تحميني من سياط الخوف ، ومن هلع الطرقات المقفرة..
صوتي الذي كان واسعا فيما مضى
يضيق ...
وأنا على أهبة الاختناق أتكور.
========================
كل شيء خارج النافذة
يتسع ويكبر
وكل شيء هنا يضيق
وأنا أتقلص لأناسب حجم الأشياء حولي
أنام في علبة كبريت
أرتدي ملابس دمية قديمة ومرمية
أشعر أني أنتظر الموت
الموت بطريقة مختلفة
تضمر أعضائي و تضمر حتى أتلاشى....
=========================
أنا يد الوحدة الطويلة
أدق أبواب الغائبين
ألعق حزنا قديما عالقا فوق وجوههم ،وأرحل بخفة دون وداع ...
يأخذ وجهي شكل الطريق
الذي أمشي فيه ..
لدي حقيبة أحمل بها
قلبي البائس ،وترابا سرقته من حديقتك سرا....
أحفر به قبرا صغيرا ...أدفن فيه كل ليلة وردة تنبت
في حلمي....
الأحلام
وحدها من تجعل لسان الموت أقصر،وفم السماء أوسع،وحضنك البعيد أطول..
آخر عناق ذبل في جيبي ،لكن رائحته مازالت تملأ رئة الفراغ الهائل بيني وبين الحقيقة...
=====================================
لم أر رجلا واحدا
يحاول أن يخيط جرح حقل...
ولم أعرف رجلا شجاعا
يصارع كل يوم
السراويل والفساتين
الصحون والسكاكين
والملاعق
الغبار والشحوم
وبقايا الطعام
بقايا الأجداد
وحكايات الجدات
الشفاه وأحمر الشفاه..
القيل والقال
وخوف الأمهات من الذئاب...
حتى لاتقدم أحلامه كوجبة شهية في صباحية عرس شعبي...
لم أشم رائحة أي رجل على صافرة الانطلاق
ولم يعان أي رجل من أمومته المفرطة تجاه كل شيء
وأعرف جيدا أن الرجال يستيقظون كاملين ..
يخوضون الحياة كاملين...
يعانون وهم كاملون...
ينجحون وهم كاملون....
يخطئون وهم كاملون...
يموتون وهم كاملون..
أما النساء فيستيقظن ونصفهن يبقى ملتصقا بالليل
.
تستطيع المرأة أن تقلص العالم كله...
بكل خفة تجعله وجها شاحبا صغيرا
تدسه في قلبها..
تهدهده لينام..فيغفو العالم كله داخلها....
.
هل جربت أن تلمس امرأة من الداخل ؟
أن تلعق الغبار عن رئتيها مثلا
أن تعض حزنها...أن تمسح بأطراف أصابعك
الصدأ عن قلبها أو أن تثار لرؤية أفكارها عارية....
إذا لم تفعل فأنت مازلت قابعا في زنزانتك....
=============================
أحد عشر نصا للشاعرة السورية ريهام عيسى
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
11 يوليو
Rating:
ليست هناك تعليقات: