سبعة نصوص للشاعرة السورية سلوى إسماعيل



هل سيتمزق القميص
..........
طريق الحرير
طويل
شرانق نتدلى
على غصن الحياة
بانتظار أنامل صدق
تمزق القميص
دون أن نسأل
هل قُدَّ
من قُبل أو دُبُرٍ
لنحلق

طريق الماء
طويل
عطاشى نطوف بالجب
لاشيء إلا الرّيح
دلاء فارغة
وصوت يوسف
يستغيث

طريق الرغيف
طويل
بيادر محروقة
عجاف أيامنا
والكهنة
يصادرون القمح
سنبلة سنبلة

طريق الحياة
طويل
شهقة موت
تحصد الروح
تغتال الاشجار
تقتل العصافير
عشاً عشاً

حاصرنا الطوفان
من كل الجهات
مراكبنا مثقوبة
هل سيتمزق القميص
لتتحرر الفراشات من عبودية الحرير
========================

أنا الأزرق
...........
حين يصفق الموج
وتختلط عليَّ الألوان
بين الأزرق وخصلات الشمس
وأحمر يتسرب بخجل
 من خد صخرة
تتلاشى بعذوبة بين موجتين
أعلم بأن الوقت
قد حان للإبحار
رمي شباك الصيد
الاتجاه عكس الريح
هناك فقط
تحظى بسمك متمرد
بلون السماء
تفرد جناحيها للغيم
لتمطر نهراً
يزيل الغبار المتكدس
على رفوف القلب
لتشرق قصائد الحب المهملة
منذ زمن اغتيال الحرف والقبلة

الأول والأخير
منك وإليك الآتي
قبلات الضباب
على نوافذ الصباح
رذاذ عبق تويج البنفسج
قرص البرتقال المتموج
على مرايا الدم
رعشة أنامل خجولة
ممدودة من خلف أسوار الغربة
تلتمس طريقاً للعناق
للأنصهار
الذوبان
حد التلاشي

كن لي وطناً
لا آمان في الخارج
انا الأزرق بكل عنفوانه
 بكل تمرده
إليك اتجه
موجة موجة
==========

أحاديث جدتي الطيبة
.................
مازالت أحاديث جدتي
تقرع كناقوس الكنيسة
 ذاكرتي
المملوءة بالصلب

 ذات حديث قالت:
"الصديق وقت الضيق"

دمرتنا الحروب
الجوع
العطش
مازلت أنتظر ذاك الصديق
يقول لمرة: صباح الخير

شكراً جدتي لأنك كنت كريمة
حين قلت:
"بيت الضيق يسع ألف صديق"

 هأنذا أجوب الشوارع
أتدفأ على أنوار شرفاتهم
أراقص البرد
على دخان مدافئهم
والحجة البيت صغير

كنت مشبعة بطيبة الأولين
تلومين الكبير
رغم أخطاء الصغير
تحمين الأرعن صارخة:
"الدّن الكبير يستوعب الدّن الصغير"

كبرت
تمددت
تسطحت
حتى تكسرت أطرافي
التصقت بالأرض
ومازالت العقول حظيرة
لا تلفظ إلا الروث

حين قلت ذات حديث:
" إذا راح الجمل لاتتحسّر على الرسن"

كانت مؤلمة
لأننا خسرنا كل شيء
ولكن بقيت الحسرة
حينها عرفت أن كلام الجدات مورفين

قمة السذاجة حين رددت:
"أصرف مافي الجيب يأتيك ما بالغيب"

كان الأولى أن تقولي:
"خبيء قرشك الأبيض ليومك الأسود"

هاهو السواد يلفنا
جيوبنا مثقوبة
طار الأبيض وكل الألوان البراقة.

جدتي الطيبة
 كانت حياتك شتلة ريحان
بيدر قمح
شجرة زيتون مباركة
وسرب حمام
شمساً لاتشرق إلا للطيبين.

اقتلعوا أشجار الزيتون
حرقوا بيادر القمح
قنصوا الحمام
وغصن الزيتون تلطخ بالدم
يغتسل كلّ يوم بدموع الأمهات
ليثبت أنه بريء.
=================

الحزن لايزعجني
.............
هذا السكون
المتكيء على خاصرة
يومي النزق
يغيظني
هذه الرّيح الصاخبة
على أطراف وحدتي
تثيرني
تشتت أنامل الفراغ
وهي ترتق آخر شق
في خيمة السماء

هذا الحزن الناعم
يذوب كقطعة حلوى
ممزوجة برضاب اللحظة
هذا الحزن لا يزعجني
يتسلل بعذوبة ساقية
تدغدغ حصيات لهفتي
تدحرجها برقة حتى آخر شهقة

الرّيح الثملة
تجدّل أعصابي ضفائراً
تهديها للبحر
لتهدأ شباك الصيد
المرمية عند خط الأفق
السكون امتلأ بغبار الفكرة
غمس قلمه بمحبرة الشوق
ليخط هذه الكلمات الخرقاء
حافية تعبر جسر الغربة
بحثاً عن وثيقة تثبت
أنها مازالت على قيد الحب
==================


آخر حكايا المنفى
............
أنا المغلولة بخيوط الفجر
أتمسك بحبال
شمس آيلة للسقوط
والموت يرسم
آخر وصايا الثلج
على نافذة القيظ

أنا الأسيرة في زنزانة الغربة
أقضم قضبان وحدتي
المكان يضج بالمكان
والهواء شهقة موت

لاشيء يشرق هذا الصباح
الفجر المرهق من ثقل السماء
الشاطئ القلق
المراكب المترنحة من ثمالة الموج
السمك المدعو لوليمة
يقال هناك خلف الأفق
جثث تطفو
بعد أن تخلت عن أحلامها

إنه الهدوء الذي يسبق المخاطرة
بالمكان والزمان
المقاهي المشبعة بعبق
طاولات  الصنوبر
وأنامل العشق المنتشية
سقسقات عصافير الحقل
وحيرة الفزاعات
وجع القمح

إنه الهدوء الصاخب
بكاء ضحكة
موت حياة
على كتف غيمة
معلقة منذ أول طلقة
في رحم السلام
حيث كانت مدينتي تغتسل
برذاذ المطر المشبع بأريج الريحان
تطلي جسدها بالبيلون
كي تشد بشرتها الممتلئة بأغاني الفلاحات
بيادر القمح
ليالي الحصاد
سرب ضحكات تقضم خبز التنور
تلعق شذى أنامل جدتي على خد الرغيف
لترسم ملامح آخر حكايا المنفى
====================

مرهقةٌ جداً بين أوراقي
 والسرير غواية الحرف المشاكس
قصيدة تعبث بشعري
و ومضة تجدله
كلمة حب خجولة، تقبلني بلهفة
تتطاير حروفها
 فراشات ترسم نجمة على كتفي
 وأنا نعسى
 يراقصني النوم كعاشقٍ
لا تكف أنامله عن العبث
 أُبعِد الفواصل والنقاط الهاربة
تتسلق عنقي أنفاسها الرطبه
 تزيل اليباس
تهمس بغنج
 "أفردي ذراعيكِ أيتها الكسولة
ورتبي فوضاك.. بفوضى أجمل
قصيدة الغربة كانت متعبة
تمسّد ساق الطريق وأقدام الرصيف
 فأربّت على رأسها
 بطرف عيني
لمحت قصيدة نازفة للوطن
ضمدت جراحها بقبلة
وحبّة مسكّن وبعض أغاني المتعَبين
 قصيدة الحب الشقية
 كانت تعاكس الشوق
 تغمزه تارةً و أخرى تتعرى أمامه
 تشبّ فيه النار فيحترق
 وحدها قصيدة الوحدة
منزوية تراقب بصمت، تفاصيل الجنون
 ترتعش من برد اللحظة،
تشّد إزار غربتها
 وتخفي وجهها بين ثنايا قلبي
فنذوب من الوحدة.
==================

سبعة نصوص للشاعرة السورية سلوى إسماعيل Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 28 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.