ستة عشر نصا قصيرا للشاعر اليمني عبدالغني المخلافي


إطعام
_______
يمكنني أن أطْعِمُك
قصائدي :

جنوني الذي لا ينتهي
عشقي الذي
لا ينضب

عطشي ، سهري، أحلامي

فصيلة حبري النادرة
دموعي الخالصة
عصفور قلبي المزقزق .
            *******

ارتحال
________
خمسون عامًا
بأوجاعٍ نَاتِئَةٍ
وأحلامٍ
متشققةٍ

في دائرة الريحِ
والرماحِ
الصقيلة

في التسكعِ
والابتهال

والوعودِ المرقطة
في شعابٍ
دون أمل .
  ******

رحلة
__________
أصعدُ إلى نجمةٍ مكتنزةٍ
نحو السماء

في محيطِ قريةٍ
صغيرةٍ
على شواطِئِ القمر

تَحُفُّني مخلوقات
من الضوء

تتجمع - قبل
أن تمطرني
سحبًا من الأفكار .
       *****

غربة أخرى
________
في تموزَ كلُ شيءٍ مُغبَّرٌ وبالٍ
تخرج من غربة لتدخل بأخرى
لا تحظى بالحبِ والمطرِ
عطشكَ يزدادُ إلى الماءِ والحياةِ

يستهلككَ القاتُ والسياسيةُ
يقتاتكَ الإصغاءُ إلى النميمةِ
وتعاطي الكذب

على صدرِ مكتبتِك
رامبو ، بودلير ،الماغوط
عبقُ قصصٍ و رواياتٍ
أُسْطُواناتٌ وأشرطةُ
تفاصيلَ وأسرارٌ مهملةٌ

وأنتَ تشتهي اِلْتِهَامَ القصائدِ ،
الجلوسَ إلى آلةِ كمنجةٍ،
الذهابَ إلى رحابِ أمسية،
اِرْتِشَافِ خَمْرة حبيبة حسناء.
       **********
مسافة
______
أمتطي الدروب إليك

تلتهمني - دون رحمة
مسالك الليل

السجن  أرحم إليّ
من الخروج

في الشارع يطغي
شعور الألم

مسافة الظلمة - فقط
و نكون سويًا.
   ******

تَنَاهِي
_______
ثمة أصوات
من حولي تنعق ..

همهمات وأغاني ..

لا بأذني أسمع
ولا بعيني أرى ..

دون  فكرة
أو تركيز..

لا أحصي
ما يتناهى إليّ.
     ******

ميتافيزيقي
__________
سؤال مبهم أنا
قصيدة غارقة
بالأحاجي والطلاسم
عالم ميتافيزيقي
رسم تَجْريدي
صندوق مُحكم الإغلاق

طفل دونَ أمٍ
أم دونَ وَلَدٍ

وطن بلا شعب
شعب من غير وطن

قلم مُهمَل
ناي أخرس
بركة  آسنة

أتَلمّس الصباح .
العشب الأخضر .
الحَمَام المفعم بالهديل.
        ********

حلم
__________
يا أخت القمر وجارة النجوم
المرتحلة على صهوة الغمام
الناثرة للضوء
المرتدية ثياب الملائكة
المكللة بزهور الغابات
رفيقة السناجب
واحة الفراشات
حديقة الطيور
حلمي الذي لم أطاله
وقصيدتي التي لم أكتبها بعد ..

يوشك الحلم أن يكون معاش
بعد أن أوشك اليأس
من خنقه ووأده..
أمن المعقول الظفر
بعد السنين المهدورة ؟
كيف سأقوى على مواجهة
ضوء الحقيقة الموشكة ؟

أسمع وجيب قلبي
عليه نغمة الفرح
ورفيف أجنحة روحي
أحس  دمائي في عروقي
الواهنة  تجري
يدي تتحسس وجهي
عيني تتفحص شعري
كل شيء يتجدد فيّ
للموسيقى وقع مفرح
الأغاني الكلاسيكية
أكثر طرباً على مزاج نشوتي
أدندن بما يجلب التفاؤل
اهتمامي بصحتي يتزايد
رغبتي في الحياة تتسع
كم أنتَ كريم أيها القدر
كم أنتِ رحيمة أيتها السماء
أي حظٍ بعد العبوس الطويل
يبتسم لي ؟
أأكون ممن سبقوني
من العاشقين أحسن حظًا ؟
آه لو يعلمون :
قيس و جميل و عنترة
لندبوا حظهم وباركوا
معجزة حبي
من سيكتب قصتي
التي لو سُمِعتْ لقالوا 
أُخذتْ من قصص شهرزاد؟
أمن الممكن أن تكون
علامة مضيئة
في تاريخ قصص الحب ؟
أكاد لا أصدق الذي يحدث
كيف لا وأنا
أحد أطراف الحقيقة ؟
"إن مثل هذه القصص
لا يخلدها إلا المجانين"
لا أعرف إلا أن أكون مجنونًا
بقلب طفل أعيش
وبروح فنان
أكره التعقل والحكمة
عندما أبقى سجينا .

 2010 م
 **********

حقيقة
___

ثمة شعب تحت أنقاض
الوطن بكاملهِ يموت

لا يمكن - بمكياجِ المغالطةِ
إخفاء وجه
الحقيقة

المدى بحر من الغيومِ 
الأرض خِرْقة مُمزَّقة

في لُجَّةِ الأنواءِ والعواصفِ
والتنهداتِ
كيف لي أن أعيد نبضك
أنفخ الحياة فيك
كيفما أشتهي - أبعثك ؟

من هذه النقطة البعيدة
بعد كل هذه المفازات
والدماء والأشياء
المتناثرة
يتراءى لي حلمك المتطاير
وجهك المنطفئ
قلبك المنكسر
صوتك المفقود.
    ********

نشوة
_______
لا شيء هنا
غير ورقتك العذراء
وقلبي المنتصب ..

خُذينى إلى معانقتك ..

بحزمة " قات " فاخرة
وأغنية صنعانية
تعرج بي النشوة ..

أرتشف من كأسك المعتق
حَلاوة المعنى ..

بعد محادثتك
أبدو في أوج الثمالة.
أتسامح مع الكون .
أصافح كل
من يقابلني بسخاء .
    *********

مِنْحة
_____
بعد عشرين عامًا
أعود مع الأبناء
أضحي

يمنحني العيد حُلته
القشيبة
والأغاني الراقصة 
والكؤوس
المترعة بالنشوة

يسرج بالأقمار ليلي
انشراحي يرتد إليّ
 
أوقاتي تخضر
أصدحُ كالأطْيَار
دون توقف .
********

أسئلة
ــــــ
ما هذا البياض المختلط بالسواد
والغث المتداخل في السمين
وسط ليل المجهول الأعمى
وآلاف الأسئلة اللحوحة؟

كيف لي أن أطلق الغناء
من حنجرة مقطوعة الأوتار
وأنسج من الحرف
نشيدا للأفراح
والصوت تصدمه المخاوف ؟

لماذا كلما حاولت
غرس شتلات الفرح
في القلوب الجرداء
أكلتها حشرات الكراهية؟

هل من فسحة
وردية اللّون..
حريرية الملمس
بعيدا عن الشوك المزروع
عند  عتبة كل ابتسامة؟

من يعطي لهذا القلب
مكانا لجناحيه
يتسع للطيران عالياً
دون بنادق صيد
وفخاخ مترصدة
بكل طائر حر ؟

أعليّ أن أداري
التنهدات الحارقة
وأكتم فيض الاحتجاج الجارف
أمام الأنذال اللدودين
وأموت شهيد صمتي
وكبريائي العنيد؟
      *******

نصوص
_______
تضيء عتمة ليلي
ضحكتك
*
شغفك :الوقود المحرك
نحو الهدف المرصود
-الجشع الذي
لا يعرف الشبع
-الطمع في مضاعفة البذل
-القلق المعتمل
في الإنتاج
-القناعة المعدومة
في المردود
*
يمنع خيالي من التجوال
رصاصك المتطاير
*
الحفيف الصادر
حول منزلك :
وجيب قلبي 
*
على مسامعي
تلقي القصائد
وتجعلني فقط
للزينة
*
كان موتها رحمة،
لم تنعم بطفولة
أو بشباب ،
ولدت فريسة الإعياء.
كل تركتها
أقراص موسيقى .
      ********

تداعٍ
_________
مفرغٌ أنا ومنطفئٌ 
كحالِ وطني الهَش تمامًا

أرسلُ نظري في اللاشيء
ألملمُ ما تبقى لي
من شعاعٍ 
على صدري المُتداعي
أثقالًا عظيمةً

أتلفتُ دونَ رؤيةٍ واضحةٍ
أو فكرةٍ مستقرة
أنسجُ من تَواتر أفكاري
جملًا مبتورةً
وصورًا ضبابيةً

في أعماقي
طحالب الأوجاع الآسنة
وملوحة الحيرة اللاذعة

على سريرٍ من الأرقِ
أتوسدُ وخز الوساوس

أمدُ أسرابًا
من الآهاتِ المتصاعدةِ
نحو السماء
أتحدثُ بصوتٍ متهدجٍ

المدى لوحة سوداء
الجهات شرر متطاير

لا ضوء من القرب
ولا قطرة بللٍ
على شفاهي اليابسة.
      *******

تساؤل
_______
كيف أتخطى كثافة
الحواجز و البنادق
أحظى بفسحة آمنة

أصغي دونَ ضجيجٍ
إلى الموسيقى
أذهبُ إلى شاعرٍ في أمسية
أعيش نهاري
بلا أشلاءٍ أو دموع

أمضي دونَ مخاوفٍ
أو هواجسٍ إلى الغد

أجوبُ دونَ  قتالٍ
أو عراكٍ في الشوارعِ
أكتبُ نصوصًا تخلو من الألم

أنامُ دونَ كوابيسٍ
أو أنينٍ في الجوار 

أغدو دونَ مآسٍ أو حروبٍ
في الوطن

أنقطعُ عن الغربةِ
وأبقى في مَعِيَّةِ الأبناء ؟
     *******

تَأرجح
_______
بتشظٍ أراقب
نزيف الوطن 
أرسلُ من أعماقي
الحسرات 

تصرخ من حوليِ
كآبة الجدران
والصور المشوهة

لا يمكن -
إلى نهايةِ
حبل الكتابة الرفيع
السير دونَ سقوطٍ
أو تَأرجح

ألوذُ من ظمئيِ
بأحضانِ المطر

أبدو بألوانٍ
ونكهاتٍ مختلفة

أستعيد نَظَارتي .
    ******




ستة عشر نصا قصيرا للشاعر اليمني عبدالغني المخلافي Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 أغسطس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.