سعادة مُتقاعدة..ماهر محمد / سوريا

 سعادة مُتقاعدة..


ذلك الطفل في صدري..

يفرّ هارباً للنسيان..

الذاكرة ممتلئة..

يطرق أبواباً لا يعرفها..

الحزن أغلق أبوابه كثيراً على قلبه،

فكان يعوي مثل ذئبٍ وقع في مصيدة..

حتى الحب!

أغلق بابه وأضاع المفتاح..

السعادة تقاعدت منه منذ زمن بعيد..

في سن مُبكّرة جداً..

السعادة كبُرت سريعاً

أسرع من رصاصة تائهة لا تعرف الطريق..

أسرع من قطارٍ سريع فقد مكابحه ودهس المارّة..

وها هي تمضي وقتها

بالسُعال الجافّ في وجه الصمت..

وحيدةً في دار العجزة..

أضلعي رصدت ذلك الطفل..

كيف تبنّتهُ كل أرصفة المدن

وإشارات المرور..

وآوته بضع كرتونات

كان يفترش بها نصوصه،

ألعابه

وصلواته..

كانت خيمته وبطّانيته في نفس الوقت..

النهار لوى ذراعه،

حتى أني سمعتُ

صوت صدى طقطقة عظام الذكرى

في صدري..

النهار معذورٌ يا ولدي..

والليل استعمله كمنفضةٍ

يفرغ به سجائره في وجه الضجر..

الليل معذورٌ يا ولدي..

الطفل اليائس

يفتح نافذة الفجر

ويكسر بضع أضلاعٍ مني..

يلقي حبال الفوضى للأسفل

إلى اللا نهاية

يُهّربُ كل أحزانه

يُحدثُ ثقباً في حجابي الحاجز

ليطرد دخان الليل الكثيف

يُهّربُ نفسه قطعةً قطعة

حتى هرب كلّه

وسقط..

يركضُ في الشوارع حافياً

يسألُ طيف المارّين

النائمين في بيوتهم

عن دارٍ للعجزة قريبة من هنا

ليزور سعادته المتقاعدة

يصل متأخراً..

قالوا له : ماتت منذ مدة..

رددّت إسمك..

ولكنها لم تترك لك شيئاً..

سعادته كانت فقيرة..

كانت حزينة..

كبر الطفل الذي بداخلي سريعاً

مثل سعادة تقاعدت مُبكّراً

مثل رصاصةٍ تائهة لا تعرف الطريق

مثل قطارٍ سريع فقد مكابحه ودهس المارّة..

ومضى..

ومضيتُ معه

نطرق أبواباً جديدة لا نعرفها..


ماهر..

6-Feb-2021



سعادة مُتقاعدة..ماهر محمد / سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 12 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.