أُحجية ...هيثم الأمين /تونس

 أُحجية

ــــــــــــ


مات المهرّجُ

فاضحكوا لعرضه الأخير…

اضحكوا من قفز ألوانه العرجاء و هي تغادرُ إلى وجه آخر؛

وجه كان يسافر في الحزن

حين نصّبوه مهرّجا جديدا !

اضحكوا من دهشة الزّاوية؛

الزّاوية التي كان يبكي، فيها، حدّ الضّحكْ!

اضحكوا من فقره الذي طردوه إلى الرّصيف

و من حذائه الذي 

لم يلده طريق منتصب يقذف، التّحايا، في رحم نافذة تنتظره كلّ مساء!

مات المهرّجُ

فاضحكوا كثيرا جدّا

من اسمه الذي لا أحد يعرفه إلا مدير السّيرك

و امرأة بعيدة جدّا، 

في خياله،

كان سيضحك، لأجلها، لو أنّ قطاراته ابتكرت اتجاهات خرافيّة الوصول! 

اضحكوا

من ابتسامته الأخيرة و هو يعبر إلى... موته دون ضحك مستعارْ

و اضحكوا، كثيرا جدّا،

من أغنية كان يحبّها

ذهبت، بعد سماعها خبر وفاته، لتراقص المهرّج الجديد!

رجاءً، واصلوا ضحككم

فأنتم لن تدفعوا ثمن التّذاكر لجبين، المهرّج، البارد

فلا أحد كان هنا

ليوشوش، اليوم، في أذن موت المهرّجِ:

"وداعا يا صديقي"

على الرّصيف، الآخر، المواجه للسّيرك

يسأل المفتّشُ:

هل كان هذا الشّاعر حيّا قبل أن يموت؟!! 

يُجيبُ المقعد الحجريّ الملطّخ بدماء الشّاعر:

منذ عشرين عاما و أنا أعرفهُ

و لا أدري إن كان حيّا قبل اليوم

و لكنّي متأكّد جدّا

أنّه كان يضحكُ حين قتلوه! !

يا سيّدي المفتّش،

أنا.. رأيت كلّ قصائده تهرب من دفتره الصّغير

و تضحك! !

هي، حتما، من قتلته!

تصرخ امرأة كان قد وعدها الشّاعر بقصيدة مقابل عشاء ساخن و حمّام! !

يقهقه حذاء الشاعر

بعد أن أسقط من فمه الفاغر آخر خطوات الشاعر

ثمّ صمت!

أمام الحانة القريبة، تجلس طاولة؛

قرب الطاولة، يجلس كرسيّ سكران...

تهمس الطاولة لسيّارة الاسعاف:

لقد رأيت المهرّج و هو يطعن الشّاعر...

يصرخ الكرسيّ:

إنّها كاذبة.

الشّاعر هو من طعن المهرّج...

تركض سيّارة الاسعاف في كلّ طرقات المدينة و تصيح:

المهرّج قتل الشّاعر.. الشّاعر قتل المهرّج...

وحدها المرآة الصغيرة، المذعورة، في جيب المهرّج

كانت تشاهد، كلّ مساء، الشّاعر و هو يطلي حزنه بوجه المهرّج! !



أُحجية ...هيثم الأمين /تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 14 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.