حقيبة سفر ...هيثم الأمين/ تونس
حقيبة سفر
ـــــــــــــــ
اثنان و أربعون عاما و أنا حقيبة سفر !
أُنسى،
على أرصفة محطات لا تعرفني،
فيسرقني
حزن صغير من حزن صغير !
اثنان و أربعون عاما
و كلّ أحزاني،
التي كنت حقيبة سفرها،
دون سنّ البكاء !
كم مؤلما أن ينتصب حزنك في عينيك
و لا يقذف شهوته على وجهك !
طفلا،
كلّ أرجل الطاولات،
التي ابتدعت، لها، أسماء إخوتي الذين لم يأتوا،
كانت ترميني في الجبّ و تضحك !
طفلا،
كانت علبة حليب "النيستلي" المركّز،
التي تشبه ثدي أمّي الذي لم أذقه،
تجزّ شفتيّ و تضحك !
طفلا
كان المذياع أبي؛
أبي الذي كان مشغولا جدّا بأخذي إلى الجنة
و نسي أن يأخذني !
و المذياع
كان يرى أرجل الطاولات- إخوتي- ترميني في الجبّ
و يضحك !
ربع قرن،
بعد أن تهجّيت أوّل حروف النّساء،
و أنا أعمل نجّارا؛
أصنع، من خشب صدري، سفنا أسميّها قصائد
و أحلم أن أبحر، على متنها، إلى مرفإ بعيد؛
مرفإ يرقص تحت الشمس،
ينام تحت القمر
و يجيد طهو الفرح
و حين فقدت كلّ أصابعي
و قتلت بحّارتي
نام مرفأ على صدري
و عند صباح الحلم التّالي
أخذ ماءه و ما تبقّى من حانته... و رحل !
بعد اثنين و أربعين عاما،
كمهرّج مطرود من السيرك
أتسكّع في عرجي الواضح،
أحملني كحقيبة سفر
و أضحك من وجهي الغائر، كمسمار، في المشهد الأخير !!
ليست هناك تعليقات: