قصائد عن الموت والموتى..صلاح عبدالعزيز / مصر

 * قصائد عن الموت والموتى


لا تشغلنى السماء حاليا 

وجهها يرف على المياه 

يتدفق فى الهواء يصبح الهواء ثقيلا 

من أوجدنى فى المتاهة 

وجعلنى جائعا لنظرة 

نظرة تكفى لميت ولا أدرى من منا 

وربما نحتفى بأموات 

لا نعرفهم ولا يعرفوننا

ربما نجلس سويا 

نتفاهم حول جدوى 

هل ينتقينا الموت أو ننتقيه

فانتظرتُ كى أخاطب الموتى

وعلى كلٍ

لا أحد يقرأ الموتى 

لا أحد فى الموتى يقرأنى . 


لا شئ أفعله حاليا 

سوى الوقت أقطعه جزيئات 

وأنظر حرفا شاردا من فمها 

معوجا بعض الشئ 

ربما كان مبهما 

لكن حرفا حرفا يكون الكلام  

يا إلاهى 

كنت أنتظر لثغة 

وها أنا بعد عشرين عاما الانتظار نفسه . 


لا يدى تكتب على التراب 

ولا عينى تكف

أنا وهى كالتصاق توأم

الجزء الذى ندفنه منا 

لا ينفصل

حتما ستمطر السماء قديسين ذوى أجنحة

وهى ذلك الوجه مشتعلا تحت مائكَ

يا إلاهى

كيف أعبر لها عن محبتى . 


وكيف أهرب من رائحتك

تلك المجازر التى ارتكبها الهمجيون

ليست آخر الأحزان

ليست أولها

هناك حزن دائم 

( تلك الرائحة ) *

على الغلاف زنزانة معتمة

كلما انفتحت يرفضنى الخروج

وأرفض الخروج 

ومع تلك الرائحة أكون أكثر حرية

فى الداخل


وكيف تظل بالقيد يداى 

لم تعلم الحياة بعد 

أن الموتى فى داخلنا 

أكثر حياة 

ندرك ما يفعله الموت من بهجة

لسنا كمن أوهمته الحياة بالسعادة

أوهمته أن الموتى اتخذوا بيوتا لا يغادرونها

فخلعت قيدى من الحياة

وأسلمت نفسى للموت


وكيف ترفرف الستائر الحمراء

فى المدن 

الستائر الحمراء يقودها الموتى

مثلى ومثلك

خرجوا من دمائهم ليهبوا الحياة حياة 

يا هذا بصرك اليوم حديد وما نظرت   

فانظر ثورة الموتى 


            فى انزياح الأزمنة كنتَ متداخلا مع الحجر والشط والغاب والسمك الملون 

فى الحوض الزجاحى 

فى ردهة البيت 

فى الظل 

فى فتات الخبز إذ تحملها النمال 

وتتأرجح فيك صورة البلاد دامية 

وقوارض تبلع حقائب سفر 

وثعابين تمر منهكة لم يكفها اشتعال قطار فى شقوقها 

ولأنك مرمى فى الطريق . 

ليس من شأنى تبكيت ميت فيكفيك نظرة الأسى. أليس واجبا أن أعد قبرا يسع كل ذلك الجمال لصديق يجذبنى دون نباح 

سأعد قبرا يليق فاترك لسانك الأخرس يتدلى منى

فيما بعد عرفت قيمة القبور 

فى إخفاء ألسنتنا 

التى تتحول إلى شوك وتخرج منا الصبار . 


لا أريد أن أفرح بهذه الكيفية 

أريد أن أكون حرا  

كأن تمطر السماء وأظل أنظر 

أنظر المطر ولا يكف 

أنزل للشارع الطينى  

فرح بالنظر لمجرى يتكون 

لا أريد للمطر أن يكف


لا أريد للمطر أن يكف يظل يهطل 

يظل يهطل إلى أن تسير القوارب 

بورد بأطفال وبالونات بأشجار 

بأرصفة بمشاة بسماء تمطر 

بفراشات تخرج من الحلم 

تخرج منى 

تخرج من الناس 

تحمل ألوانهم وتحملنى 

لا أريد للمطر أن يكف 


لأننى أحب المطر 

أحب أن أنمو كيفا أشاء 

تلك جذورى مبللة بشارع 

كل ما فيه يخضر 

يخضر 

تصبح البيوت أشخاصا وأجنحة

تصبح خالية من سقوفها

تصبح فضاء شاسعا


العالم فى الداخل أكثر رحابة

كمن ينسج خيوطا

وعلى نول يدوى يحولها إلى قماش

على قمته أجلس

ورغم بحثى الطويل عنى

تهت فى عالمى

الوجوه الصاعدة منى تحمل وجهى

ومن يمرون فى الذاكرة - لذلك العالم أيضا - 

يحملون وجهى

تشابهت الوجوه 

لم أعد أعرف أصدقائى

حتى من اتخذنى عدوا

كان يحمل وجهى

تهت فى الوجوه

كيف أعد نفسى للحرب

من أقاتل 

من يقاتلنى

العالم أشد تعقيدا مما أظن

ربما كنت داخلا من الخارج

فى الخارج عالم آخر

ضيق بعض الشئ

العابرون من هنا إلى هنا

ألقوا سلال قمامتهم 


فى سلة ما  

وجدت يدى 

وليلة أخرى وجدت الأخرى

ما يدور فى خلدى كيف للعالم

كل ذلك التوحش لمجرد 

اختيار خيوط بديلة

تُقطع الأيدى لأقل من ذلك 

هكذا تجمّعتُ من جديد

  


لوثتنى الحياة بالمحبة

               ككوكب على كوكب يموت. ما الذى يجعل الجحيم جحيما. كل الجهات فى شكل عقرب. وكان يضحك. كان يرى قبلتى فى اتجاهه . كنت لا أرى. غير أننى أدركت أن الضحك مأساة بلا خير. وكنتُ أضحك لامرأة سلتها مليئة بالعقارب ( تعرف أنى صياد ليست مهنته الصيد) . سيدتى كم عقربا . هم كثر خذ واحدا أصفر . أدخلتُ العالم ذاك الأصفر. أدخلتنى دنيا تتبدل. مواقيتها غير المواقيت نمت معها ليلة كاملة. فى غمرة الجنس تختفى الحقائق. كيف يرضع الصغير من أم العقارب كيف تختفى الجيوش فى أم المعارك. تلبستنى العقارب تحولت وانتسخت. لُدغت وانسحقت. بحثت عن هيكلى لكنما تفتت. كانت الرمال مائى وفى الربع الخراب مسكنى جيوش مدفونة فى وطأة الرمال.. كرهت انبعاثى تقدمت فى العمر ألف عام دَفنتْ قلبى فى ثديها كان مبتورا. الجيوش الكثيرة إلى أين. دخلوا مع الداخلين. 

صرت عقربا. 

عاشت معى العقارب والحيات كلما أخرجتها من رأسى كلما تعمقَت. كلما أدخلتها رأسى انسحبْتُ للعدم . تلك العقارب كانت سببا فى انفصالى عن الحياة . فى حضنها نامت عقارب الساعة تحولت لعقربين ( كانت تلتهم لسانى بشفتيها. عشتُ كنجم منطفئ وانفجرت ككوكب). صليت كافة الصلوات فى اتجاه البحر

ما كان أن يرفض. صديقا ما يود الانتحار يود أن يختلى بنفسه. ما كان أن يحدث

لو وجب علينا لاتجهنا إليه من قديم

من قديم كان البحر تجاهى

عرفته فى ضوء الشفق

فى انسجام الكون

نحو محبة مرغمة 

لكنما الموت جاء فى صورة عقرب 

وكان يضحك .


صلاح عبد العزيز-مصر 🇪🇬🇪🇬🇪🇬




قصائد عن الموت والموتى..صلاح عبدالعزيز / مصر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 02 مارس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.