إذا مررت...رحيم جماعي / تونس

 إذا مَرَرْتَ بأطفال يلعبون حُفاة ، ببحر ، بحديقة ، بجدول منسيّ ، بمركب محطّم على شاطىء مهجور...

إذا مررت بنورس مغترب ، بعامل بسيط ، بفلّاحة مُجْهَدَة ، ببيت فقير ، بسرب طيور على الشّجرات...

إذا مررت بليلى ، بخولة ، بعائشة وهند ، بفاطمة وميارى ، بقُبلات علقت بزجاج الشّرفات...

إذا مررت بسكران غامت في خطاه الدّروب ، فضيّعته البلاد ، وخذله الرّفاق القدامى...

إذا مررت بقطّة كَسْلى ، بنملة كادحة ، بوردة السّور الوحيدة ، بأنين جارح ، بهمسة باكية ، بأبْكَمٍ ، بأصمّ ، بضرير...

إذا مررت بأمكنة يرتادها الغرباء والكادحون ، وأبناء الوحدة والوحشة والسّبيل...

إذا مررت ببيوتات خمدت نيران مواقدها ، وبردت أثافيها ، وأضاءت المذلّة جباه سكّانها...

إذا مررت بمشفى ، بسجن منعزل ، بمنفى ، بميناء موحش ، على أرصفته الباردة حبيبات ينتظرن عودة بحّارة من بطن الغيب... 

إذا مررت بشمس خجول ، بقمر فادح ، بجنديّ صامد وحزين ، بذهاب بلا عودة ، بطفل يتسوّل وفي قلبه مدرسة ، بشيخ يتوسّل والرّوح تبكي دَمًا...

إذا مررت بمَقعد في حديقة ، شاغر من عاشقين ، بشاعر حزين هجرته القصيدة ، بوطن على أحزن ما يرام...

إذا مررت بنافذة تطلّ على الوحشة ، بمقبرة أكبر من قريتها ، بقطرة ضوء لم يَرَها أحد ، بنخلة وحيدة في فلاة...

إذا مررت بعدوّ أرحم من حبيبك ، بساعي بريد لم يعثر على عناوينه ، بأمّ كأمّي ، على جبينها مئات من قصص الصّبر الطّويل...

إذا مررت بكاتب يبكي وحيدا (كهذا الكاتب الآن)...

إذا مررت...بي...

أَلْقِ السّلام فحسب...

ستتبعك الكلمات.



إذا مررت...رحيم جماعي / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 10 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.