يونيو مرة أخرى ...نسرين المسعودي / تونس

 يونيو   مرة أخرى 


  ينكز ظهري مسرعا

 تاركا فوق جلدي

  ندبة  عميقة   

 تجعيدة  أسفل العين 

 كلما ضحكتُ وجعا 

 تلاشت  خجلا من ثغري


   يونيو   

و عواؤه  الموحش في قلبي   

كغار ذئاب  في جبل بعيد

 يملؤني بالصدى

 

 أنا المرأة   الحطابة الماهرة

أقطع   الشجر من  صدري

أسوقه جثثا إلى المغيب 

 بفأس الصمت أقايض الحياة 

 

 تسع و ثلاثون   شمعة   ممطرة 

و تاريخ  ميلادي  شمس صمّاء    

  تشهد  حصاد القمح في جوفي 

  فأذكر  آخر  ليلة

 قضيتها معك  

و أشعر للتو ّ  برحيلك


  طراوة الجرح في روحي 

تحسسني بأنك اليوم  تغادرني     

فأفرك  جفنَيْ البكاء  من  ضلوعي

و أمد إليك يدي 

لتعود خائبة إلى وجعي     

 

 أضواء الطائرة التي صعدتَ سلالمها 

مازالت شاخصة الضوء  في  سمائي

 صوت  المحرك المدويّ  في الهواء 

لحن  قاتل   يخترق  رأسي

   كالرصاص المطاطي  

يصيبني بالحنين  إليك 

 تذكرة السفر التي كانت في قبضتك 

مازالت أحفظ رقمها  و  أشم حبرها 

 

 كيف أنسى؟

  هلاكا من يديك

 وهبتني إياه 

كالسمّ البطيء

يضخ النار  على مهل في  فؤادي؟  

 ودعتني  و كنت  

أنا من أودّعني...


أبعثرني  أشلاء للمسافات 

 أهبني في حقيبتك  دفءا لغربتك  

أجردني من عظامي   و لحمي

 و صوتي و كل الأمنيات و الذكريات 

لأدسني في ثيابك المطوية 

 تركتني  كخشب  مظلم 

 يشم عطرك    

كمقعد مكسور

 ألملم   أنفاسك

 أعرج من ثقل خوائي

   فتخر قواي 

و يسقط من فوقي   

 كل متعب   يستنشق  تعبي  

في احتوائه

 

  يونيو 

  روحي المتناثرة   أسفل قدميّ ٍ

و أنت في  صفوف المسافرين 

تطحن مشاعري  بأكتافهم 

تنظر الي ّ

فتطفو فوق شعري 

 شيبة في صباي 

 و يحتضر بريقي 


  يونيو 

يا حزن الله المتفاني  في خلقي  بقلب عليل  

دمعي المطمور في وجداني السقيم

 يا رحيق نزفي  الجوريّ من شرياني 

يا حفلا    بهيجا يجدد في ّ العناء 

فتفوح من أحداقي  ملامح السنين 

و  الآفلين و الجبناء  


يا ساعة عقاربها تدور حول عنقي   

تشهق في عينيّ  بدمعة و أغنية 

 تدق كالكنيسة القديمة في حنايا أركاني   

 تجند   الأيام  في سجل عمري

  لمعارك الظلام   تقودني 


يا أسنان المشط التي تفكك العقد

   المخبولة في رأسي  

 تنثر القلوب المجعدة من ذاكرتي

 كالطحالب 


 يونيو 

 ليس شهرا  عاديا

  كأشهر السنة المملة الحزينة 

 شهر  أعاقر لخيبته  الوحدة و السجائر 


إنما هو 

يد الله  البيضاء السخية 

التي تمد في أنفاسي 

تمزجني كل مرة   بالماء و الطين  

تعتق   دمي  كنبيذ النايات  

 تعيد تشكيل  حلتي  بالشقاوة و الجنون  

و تربط  جأش  الموسيقى عقدا في مفاصلي

 

يونيو 

سرب من الطير الشادي 

 يرفرف في روحي  الفسيحة 

 ثم يحط فوق كتفيّ 

لأنهض من جديد

على نبض  إيقاعي 

و خرير أنهاري 

   

 شهر  ميلادي الجميل 

 تاريخ غيابك المنقوع في دموعي 

و رسائلي  المنسية في دولابي


يونيو مرة أخرى ...نسرين المسعودي / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 28 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.