قراءة أدبية في قصيدة المُبعد للشاعر اليمي عبدالغني الممهلافي

 

"


المُبعد"للشاعر اليمني عبد الغني المخلافي هو قصيدة نثرية تنتمي إلى تيار الشعر الحداثي، ويتجلى فيها التأثر العميق بعدد من الشعراء العالميين والعرب، إلى جانب التجربة الشخصية التي تتسم بالمنفى، والضياع، والحنين، والقلق الوجودي. سنقوم بقراءة تحليلية للنص، ومن ثم بيان التأثرات الشعرية فيه:


التحليل الفني للنص


1. بنية النص وموسيقاه الداخلية:


-القصيدة كُتبت بالنثر، لكنها مشبعة بالإيقاع الداخلي الناتج عن التكرار والصور المتناغمة (مثل: "أنا الغريب المبعد... أنا حزين جدًا... أنا مجهد...").

-لا يتبع المخلافي وزناً عروضياً تقليدياً، بل يترك للنص أن يتنفس بحرية داخل أفق مفتوح، متكئاً على الإيقاع النفسي، مما يجعله قريبًا من تجارب *الشعر الحر*و *قصيدة النثر الفرنسية والعربية*.


2. ثيمات النص:


-المنفى والاغتراب:محور النص، حيث يظهر الشاعر غريبًا مطرودًا، بعيدًا عن الوطن والحبيبة والأبناء.

-الحنين والانكسار:تتكرر الصور المرتبطة بالحزن، البكاء، الدموع، الدفء المفقود، الجراح، وتظهر الرغبة في احتضان ما هو غائب.

-نقد الواقع السياسي:في صورة الوطن المذبوح والنهب السياسي، حيث "ذئاب الساسة" تنهش البلاد.

-الرغبة والنزوة:في المقطع الأخير، يكشف الشاعر عن إنسانيته الضعيفة، وتداخله بين الطهارة والرغبة، دون تمجيد أو تبرير.


3. اللغة والصور:


-لغة النص تتسم بالبساطة والحميمية، دون تعقيد بلاغي أو زخرفة لفظية.

-الصور الشعرية حسيّة، مشبعة بالحزن والوجع الداخلي: "خذني إليك نجمًا مسافرًا"، "وسحابةً ممطرة بالحزن"، "الوطن مذبوح من رأسه حتى قدميه".


المرجعيات والتأثيرات الشعرية


أولا: التأثيرات العالمية


1. شارل بودلير :


-أشار إليه الشاعر صراحة في النص: "وتهجّي قصائد بودلير".

يشترك معه في *تيمة الغربة الداخلية، القبح الجمالي، التوق إلى المحرم، والنزوع إلى الحزن كمصدر للخلق*، وهي سمات بارزة في *أزهار الشر*.

-مثل بودلير، يصور المخلافي الحزن والضياع كأدوات للبوح وليس للشكوى فقط.


2.نيكوس كازانتزاكيس / زوربا:


-إشارة لقراءة "زوربا" توحي بتأثر بمفهوم *الحرية الجامحة والتمرد على القيود الأخلاقية* والرغبة في التعايش مع الحياة رغم قسوتها.


ثانيا: التأثيرات العربية


1.محمد الماغوط*:


-ذكره أيضًا في النص، وهو من أبرز شعراء قصيدة النثر، ويتضح التأثر به في:


-الأسلوب العفوي، المباشر، العاري من التجميل.

-البُعد السياسي والوجداني في آنٍ واحد.

- المنفى كموضوع جوهري.

-مثل الماغوط، يكتب المخلافي ببساطة مأساوية، حيث يبدو الحزن عاديًا كأنه الخبز اليومي.


2.محمود درويش(ضمنيًا):


-في تيمة الوطن المنفي والحنين إليه.

لكن درويش أكثر شاعرية وتكثيفًا لغويًا، بينما المخلافي يتجه نحو البوح اليومي والأسلوب النثري الأقرب للنثر القصصي.


3. أدونيس(في الخلفية الفنية):


-في تحرير اللغة من الوزن، والانفتاح على التجريب، لكن المخلافي أقل تجريدًا وأكثر إنسانية ومباشرة من أدونيس.


خلاصة القراءة 


عبد الغني المخلافي في"المُبعد"يمزج بين تجربة شخصية وجودية، وهمّ سياسي واقعي، وتمرد شعري حداثي. يتبع نهج *محمد الماغوط* في قصيدة النثر العربية ويتقاطع مع *بودلير*في الحس المأساوي العميق، ويستعير من *زوربا*نزعة التمرد والافتتان بالحياة رغم قسوتها.


المُبعد

_____

أيها المساء الصديق، ضمّني إلى صدرك يتيمًا. 

خذني إليك نجمًا مسافرًا، 

وسحابةً ممطرةً بالحزن.


أنا الغريب المُبعد، لا وطن لي، ولا حضن.

أنهكني الغياب،

وانتظار القصيدة، والشوق

إلى الحبيبة

والأولاد الذين تركتهم خلفي.

وماذا سأكتب اليوم، وفي الغد، وبعد غد؟


أنا حزين جدًا، ووجعي أبدي.

الوطن الذي أشتاقه مذبوح من رأسه حتى قدميه،

تنهش في لحمه ذئاب الساسة واللصوص، من سرقوا منا الحياة، ووهبونا المنافي وطنًا.


أنا مجهد. في نهاري أجتر الذكريات الحميمة، وفي ليلي أبكي أيامي المهدورة بعيدًا. أتلمس الدفء المفقود، والجراح النازفة.


أرفع رأسي إلى السماء:

ماذا تبقى لي من العمر لأعيشه في الأحلام، وتهجّي قصائد بودلير والماغوط القريبة إلى قلبي؟

وقراءة رواية زوربا أكثر من مرة. 

واشتهاء صدر أي امرأة عابرة مكتنز بالشهوة، ولا أستغفر الله كثيرًا 

من هذه النزوات!


عبد الغني المخلافي

من مجموعته الأولى - للوجع مكانٌ في عينيه


قراءة أدبية في قصيدة المُبعد للشاعر اليمي عبدالغني الممهلافي Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 25 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.