في آخرِ الشّاعرِ...هيثم الأمين / تونس

 في آخرِ الشّاعرِ

ـــــــــــــــــــــــــ


يا أُمّهُ

أنا.. لم أقتل ابنك الوحيد !

يقولون إنّي كنت أحمّله كلّ حزنه و حزني

ثمّ أجعله يمشي، مثقلا بهما، على طول القصائدِ... و أضحكْ ! 

يقولون إنّي كنت أحشو فمه بغبار المجازْ

ثمّ أصوّبه على أصابعه و أُطلقُهُ،

عليها،

كرصاصة احترفت الموت على يد حرب ابادة عرقيّة

و أضحكْ...!

و يقولونْ...

إنّي كنت أصنع لهُ من قصب اللّغة:

نساءً عابرات كالطّعنات الغادرة،

حانات تشبه حانات امستردام

و خيالا شاسعا؛

و هو الذي

يقف، في صمته، كفزّاعة قشْ؛

لا يُجيد إلّا النّساء اللّواتي يحملن وجوههنّ كاملة،

لا يحتسي إلّا قهوة الصّباح مع الجرائد القديمة

و لا يملك هاتفا ذكيّا يحدّد، به، إحدثيّاته 

ليعود إليه 

كلّما تمشّى خارج رأسه الضّيق!! 

فكيف، يا أمّهُ، أكونُ.. أنا.. قاتل ابنك الوحيدْ؟ !

ابنكِ.. لم يكُ يوسفَ، يا أمّهُ

و ما أنا بأحد عشر كوكبا

و أَنّى لي أن أتّهم الذّئبْ

و الذّئب، مذ هلك الأنبياء، يحرس الوطنْ

ويقهقهْ؟ !!  

يا أُمّهُ

أنا.. لم أقتل ابنك الوحيد

فسلي 

اسمهُ الباردَ كلّما تدلّى من شفتك السّفلى؛

سَلي وجهه العالق في مرآة الحمّام

كلّما ابتسم في وجه وجهه و هو ينسحب،

في كلّ مرّةٍ،

من هزيمته قبل الأخيرةِ

أو سلي ظلّه الكثير الثّقوب،

الذي يشبهه تماما،

كلّما أجهضتْ حنجرتُه صرخةً لم تكتملْ قصيدتها

و سيخبرونكِ

إنّي بريء  من دمهِ

و أنّه مازال يلوّح بقشّه للكلمات المهاجرة

و يغنّي،

في صمتهِ،

كلّ ما حفظه من أغاني الرّيح !!

سيؤكّدون لك

إنّي بريء من دمهِ/ دمي

و أنّه مازال 

داخل رأسه الضّيق 

يصوّب أصابعه، 

نحوهُ، 

ليثير فيه رعب الصّراخ

و يضحكْ...

و سيجزمون لكِ

إنّي... بريء من دمي

و إنّي ما زلتُ أمارس جثّتي 

في آخرِ الشّاعرِ 

و أقهقه!!!

ـــــــ


في آخرِ الشّاعرِ...هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 03 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.