مجازات متقاطعة ..هيثم الأمين/ تونس
مجازات متقاطعة
ـــــــــــــــــــــــــــ
أنا لست حزينا و لكنّي أضحك حدّ البكاءْ !!
عندما تكون حزينا جدّا
كبكاء أشجار اللّوز
لا تذهب إلى النّساء،
عندما تكون غاضبا جدّا
كانهيار ثلجي
لا تذهب إلى الحانات
و عندما تكون وحيدا جدا
كنخلة واحدة في غابة صنوبر
لا تذهب إلى وجهك في المرآة
بل احمل رصيفك.. على ظهركَ
و استبحْ عريَ الاتّجاهات...
أنا لست حزينا و لكنّي أضحك حدّ البكاءْ !!
رعب واحد لا يكفي لتعيش به كلّ هذا الوطن،
قلب واحد لن يكفيك
لتعبر منافيك كرصاصة
ثمّ تُصيبُك في أمّ رأسك و تنفلتَ منك كنهر
و جرح واحد لا يكفي
لتدسّ فيه كلّ محطّاتك التي وقفت تنتظرك فيها
و الجسور التي عبرتها لتعود إليك سالما
فعُدتَ إليك بكلّ هزائمك
فأنت لست طابور نمل صامت
يذهب إلى مناجم الشّقاء دون أن يحفظ أناشيد تمجيد الأخ الأكبر
و لست خيزرانا لتكبر حتّى تصير أريكة
فتشاهد، كلّ مساء، أخبار موتك على شاشة التلفاز دون أن تبكي...
أنا لست حزينا و لكنّي أضحك حدّ البكاءْ !!
كنبيْ.. رتّل خطواتنا المبهمة، أيّها الرّصيف
على مسامع سكك الحديد و القطارات و الموانئ
ليغفر لنا غيم المسافة
كفرنا.. بتعاليم حاويات القمامة الجائعة
و ليموت المهرّجُ، بكلّ ألوانه، خارج ضحكته الخشنة الحزن...
كبغيْ... ارفعي فخذيك، كشارة نصر، أيّتها المدينة
في وجه حزننا المنتصب كبندقيّة في الحربْ
لنقذف في رحمك العقيم كلّ ماء وجوهنا
فننجب من عقرك كلّ سلالاتنا الهجينة !!
وبصبر جثّة منسيّة في الصّحراء تنتظر أن تذهب إلى الله في موكب رسميْ
احتملنا أيّها العالم
حتّى تخرج من صلب عرجنا جنائز ضاحكة
و جوازات سفر لا يكذّبها درك الحدودْ...
أنا لست حزينا و لكنّي أضحك حدّ البكاءْ
و أبكي حدّ الضّحكْ
و أقطّع أصابعي في طبق القصيدة
ليصير هذا الشّعر دميما كوجهي
فيكتمل خَلقُ النّزفْ،
ليصير هذا الشّعر عاريا كعري جسدي المترهّل
فيكتمل خَلقُ الصّراخْ
و ليصير هذا الشّعر يُشبهني
فيكتمل خلقُ جثثي الأربعين...
أنا لستُ حزينا و لكنّي أضحك حدّ البكاء
و أبكي حدّ الضّحكْ
و المرايا ترفٌ
حين يُشير وجهك إلى وجهك و يضحكْ
فقبّل ذراعيك كلّما سَقَطتَ بين يديك
كجدار مهزوم
و كلّما صار الله قبلة و دمعة
فصرتَ نبيذا رديئا يشربه مرحاض عموميّ يعاني من القبض !
أنتً وحدك تماما؛
وحدك لا شريك لكَ في جثّتكَ،
لا شريك لكَ في سقوطك إلى عمق هاويتَكَ
و لا شريك لك
و أنت بكلّ حزنكَ
تضحك حدّ البكاء
و تبكي حدّ الضّحكْ...
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
24 يونيو
Rating:

ليست هناك تعليقات: