نصوص للشاعر امين الجرادي / اليمن
بين الحرب والنزوح
أمضي مغمض العينينأشق الطريق لا أرى أمامي
الخطوة الأولى أتمايل
الخطوة الثانية أترنح
الخطوة الثالثة يرتطم رأسي في الجدار..
تَركتُ أُمي الضاربة في السِن وهي تنتحب
قد لا أعود بعد منتصف الطريق
حولي جبال وسهول وهضاب
وفوقي سماء واسعة تلبس رأسي كالقبعة
مغمض العينين أتدحرج
الشمس تلفح رأسي المفتوح..
بلا وزن يطير جسدي في الريح
وروحي لازلت محبوسة في قبصة يدي..
غَادرتُ أُمي
نسيت موعد الحكاية الأخيرة
تركت أصابعها التي تتحسس رأسي قبل النوم..
والآن أتمايل
أشق الصخر
أرتطم بالأشجار
أقع على الرمل
ألقي بجسدي من أعلى شاهق
لا أكترث بالرضوض التي تتوزعني
لا أخاف من الثعابين والزواحف
لا أهز قلبي كلما تقدمت خطواتي..
تشدني حبال الحرب
ويجرفني النزوح
وتتعقبني بنادق الميليشيات
استبدلت احذيتي بقوالب حديد
لَفَفتُ جسدي في كل ما أملكه من ملابس
وتركت كَف أُمي مستمر في التلويح
ينتظر عودتي ..
3 ابريل 2021
-------------------------
جِئتُ إلى الأَرض بِمُفردي
أَصَابِعي رَطِبَة
مِثْل فروع الأشجار الصَغيرة
فِي وَجْهِي
تَنبُتُ حُقول القَمْح والأرُز،
ومِن بَيْن أَصَابِعي تَتَفـجْرُ الأنهار العَذبَة..
جِئتُ إلى الأرض بِمُفردي
مُفعَماً بالحَياة والأشيَاء
لا جَلبة في صَوتي،
ولا حُزن تحت أظافري
أُطلقُ لنفسي العِنان
لشق كل الطرق..
سَألتُ مَن حَولي
عَنِ الورد الذي لا يَذبُل،
والشَمس التي لا تَغِيب..
والوَطَن الذي لا يَتَأخْر...
لَكني حِين كَبِرت،
رَأيتُ الوَرد
وَلم أشْتَم رَائِحة العِطر،
رَأيتُ الشَمس
وَلم أُلاَمِس الضَوء،
كُنتُ عَلى الدَوام مُبكِراً
فِي رِحْلَة البَحث عَنِ الوَطَن المُتَأخِر...
11 فبراير 2021
----------------------
قـصـائد بعيـدة
______
أَكـتـُبُ قـصـائد بعيـدة
مَلغُومة بالغُـربة،
ومُرهقةٌ جداً من الأسفار والتعب
تتأرجحُ بين هزيع الحـرب،
وأسى الفـقدان..
أَكـتـُبُ «صَـنـعاء»،
يَتَضاعف النزوح..
أَكـتـُبُ «دمـشـق»،
يُعربِد القصف..
أَكـتـُبُ «القـدس»،
تُدهَس الطفولة..
أَكـتـُبُ قـصـائد مُنفعِلة
لا تعرف الراحة،
ولا تَكُـف عن الضجر
مُنشغلةٌ دوماً بالحرب والنزوح،
والتهجير عن الأوطان..
أَكـتـُبُ قـصـائد متـوتِـرة
عصبية المـزاج،
لا تعرف الهدوء،
وتجهل السكينة والصمت والخشوع..
أَكـتـُبُ قـصـائد قـلِقـة،
لا تعرف الطمأنينة
تفر من السُكون،
وتكره التصوّف،
وتستكثِر على نفسها راحة البال..
الاربعاء 26 مايو 2021
_____________________
قَرِيباً أيُهَا الوطَن
سَنَضَعُ حَدّاً لِهذا الوجَع
إذا كَانَ ثَمّة لِقَاء بَعد،
وتَراضٍ بَعد
وفُرصَة أُخرَى لِنكون مَعَاً..
الحربُ ليست وطَناً بَديلاً
وجَوف الأرض
مُرهَقٌ مِن تَكْدُس الجِثث..
سَألتقِيك فِي الصَبَاح
الصَبَاح الذي نَسِي أَنْ يَنقُل لَك التحية:
"بالأعمَاق تَسكُن،
وفِي الروحِ تَنفَذ"
سَألتقيكَ فِي بَادئ الأَمر
أُغازِلُ مَفاتِنك المكنُوزة
وَعِطرُك المَنثور
فِي حَواجِب العُمُر..
قَرِيباً أيُهَا الوطَن
سَتحتَويِك أشيَائِي
أحلام حياتي القادِمة،
أجنِحَة العُمر المُحَلِقة،
أصواتي التي رَجعت بِلا صَدى
اسمُكَ المُقترن بِي..
قَرِيباً أيُهَا الوطَن
عندما أركُضُ إليك،
رَكضِي إلى الحَيَاة
سَأصْرُخُ مِلئ حَنجرتي،
وأُبعثِر صُراخِي في الكون
سَأحزِم حَقائِبي،
لَحظَاتِي ومعالِم الوقت
قَبلَ أن تَخورَ قواي
ويَختنق صَوتِي
سَأمُد لك جَناح قَلبي كَطِفل
عَرفَ كَينونَتَهُ لِلمَرةِ الأولى..
29 مايو 2021
_____________
أحمِلُ رُوحي في الخَارج
أتقلبُ في التواء خَطَواتِي
أتوكأ بِعصَاة العُمُر الفَائِض مَرات ومَرات
أتَلمسُ طَريق العَابِرين
مَن عَلقوا أرواحهم على الحِيطان
أو صَنعوا منها لافِتَات كَبيرة..
أمضي باحِثاً عن مَعالم الطريق
وإشَارات المُرور
وإرشادات المُشَاة العابِرين..
لا شكل للمدينة
لا طُرق مُعبّدة
لا شَوارع وأزفِلت
لا أضواء ونِيون
أَعرِفُ كيف تنتصبُ الأبنية
وتتوزع المَقاهِي
وتتناثر الدكَاكِين
ويزدحم المُرور وسَط المدينة
أَعرِفُ كُشك الصُحُف
ومَقهى الإنترنت
وخَان النَازِلين
أَعرِفُ تفاصِيل كل الأماكن..
أَحمِلُ روحي في الخَارج
وأتقلب في التواء خَطَواتي
لكن لا أثر للِشَارع..
_______________
بَعِيدُون عَنِ الأَهْل
نَرتَجِفُ تَحت جَنـْح هَذا اللّيل
لكأَنَّ أرواحنا احتَرقَت
وتبَعثرت في الهَواء،
لَكأنَّنا جِذع شَجَرةٍ ضَال
لَا يَعرف الطَريق..
أيّامُنا مُبتَلةٌ بالويلِ والحُروب
ويَقصِفُ قُلوبنا الخَوف..
نُسَافرُ في كُل الدُنيا،
لا ندري كَيف شَبَّت النار في الجوانب..
مَا أتعَس الحَياة طَلباً لِلمأوى،
مَا أبشَع النزوح بين خُطوط التماس..
نُراقِبُ هَذَا العَجز
ولَا تقوى قُلوبنا على الحَركة
نُكَفكِفْ الرجَاء،
ونرجو أَنْ نَصل إلى آخِر نُقطة..
نُحلمُ بالعودة إلى قُرانا وبُيوتنا الأولى،
وعَلى مَهل نُعانِق طُرق العَودة..
_____________________
نصوص للشاعر امين الجرادي / اليمن
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
14 يونيو
Rating:
ليست هناك تعليقات: