ما أوحى غيابُكَ ...ميرفت أبو حمزة / لبنان

 ما أوحى غيابُكَ

________________


لم أمُتْ في الحربِ

غيرَ أنَّ الحربَ تسكنُنُي 

وترغمُني أن أواريَ بظلِّها اشتهائي

 وانتهينا وانتهى أمرُ الهوى

وانطوتْ كلُّ الأغاني مثلَما الليلُ انطوى

عاديتُ نفسي فيكَ كي أنساكَ

عاديتُ مَنْ عاديتُ 

كي لا أحبَّ بكَ أحداً سواكَ

لكنَّكَ كنتَ الوطنَ الأخيرَ .. ملاذي

وآخرَ خيمةٍ ألقى بها تِيْهُ الأفولِ

فوقَ حزني كي لا يكونَ لغيرِكَ انتمائي

ورحتُ أُلملِمُ الخطوَ الذي تلاشى بيننا

حتى باتتْ خطوتي عرجاءَ 

تهدجُ في عراءِ عرائي   

أرسمُ المدنَ البعيدةَ بالكتابةِ 

وأسكنُها مجازاً بلا ظلالٍ

ولا يدٍ تقتادُ تيهَ يدي قبلَ أن تخبو 

من صباها

لكأنَّما ما وطئْتُ الأرضَ تحتَ ظلالِكَ السمراءِ

ولا قرأتُ في عينيكَ تميمةَ عمري

ولا التمعتُ فيكَ قمراً حينَ كنتَ سمائي  

حربٌ أنا وبداخلي حربٌ ..

حربٌ تحاصرُني وتعصرُني

وترشفُ من دماءِ دمائي

وأرى الزهورَ التي أهديتَني

كيفَ صارتْ شوكاً بين يديَّ

وأرى ربيعَ العمرِ ببعدِكَ  كيفَ صارَ يباباً

ما كنتَ ورداً كي تكونَ حقيقةُ الوردِ

شبهةَ الموتِ الأكيدة

حين تشتبهُ الأسماءُ على صفاتِها

وها آنا الآنَ بخيبةِ المهزومِ بحربهِ

أُخرِسُ القلبَ وصدى نبضاتهِ

لكنني عبثاً 

عبثاً أهدِّئُ نشيجَ هذهِ الأصابعِ

يا مائي يا عطشَ الظهيرةِ 

يا شقاءَ شقائي 

يا حيرةَ السؤالِ حين يحضرُني  ..

هل نامَ على زندِ الأريكةِ في الليلِ ..؟

 هل راحَ يمسحُ لهاثَ سؤالهِ المتكرّرِ عني ؟

هل راحَ يقفزُ فوقَ أحصنةِ الكلامِ أمامَ اللومِ ..؟

لا كبوةً تردي الضجرَ المُحذَّى بالخسارةِ ..

والخسارةُ ذئبُ غيابٍ ينهشُ بردَ يدي ..

وذا أيلولُ يسحبُ دفئَهُ مني ويسحبُني ..

وينقرُ المطرُ المراوغُ وجهي بأناملِ استحيائِهِ الهوجاءِ

في ساحةِ الرؤيا الملبدةِ بالحنينِ إليكَ

تبدو كأنكَ محطةَ تيهٍ تستحثُّ خطاي 

يبدو غيابُكَ كأنهُ خريفٌ مجحفٌ

يفرفطُ غصنَ صِباي  

لو أنكَ تهطلُ بذياكَ الحنينِ إليَّ 

لو أنََكَ تندَهُ بصوتِ الريحِ كي أرتاحَ

إندهْ عليَّ ..

كم زادَ سحرُنا في الحنينِ !

كم صارَ صوتُنا ناياً إذْ يراودُنا الأنينُ !

كم نحنُ أجملُ في ذرى التَّرحالِ

حينَ لا تؤوبُ طيورُ الشوقِ فنبكي

ويرغمُنا السكوتُ على الكآبة ..


ميرفت أبو حمزة 

من ديوان "أساور الماء"


 



ما أوحى غيابُكَ ...ميرفت أبو حمزة / لبنان Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 14 أكتوبر Rating: 5

هناك تعليق واحد:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.