تحت هذا الحرفِ .. أنتِ ..د.عاطف الدرابسة / الأردن
تحت هذا الحرفِ .. أنتِ ..
قلتُ لها :
يرقدُ في صدري حرفٌ ، كأنَّه حلمٌ ، أو كأنَّه رصاصةٌ ، أو كأنَّه بحَّةُ فقيرٍ مُعدَمٍ ، لم أكُنْ أعرفُ أنَّ صدريَ صار مقبرةً للحروف .
تحت هذا الحرفِ جمرٌ ، ورمادٌ ، وتحت هذا الحرفِ صورٌ قديمةٌ ، خالدةٌ خلودَ الوقتِ .
تحت هذا الحرفِ امرأةٌ من ريحٍ ترتجفُ ، أو من نارٍ تبتسمُ .
تحت هذا الحرفِ امرأةٌ من أغاني الأمسِ العتيقِ ، كأنَّها أغاني المطرِ ، أو كأنَّها أغاني شاعرٍ بيتُهُ من خيالٍ ، كلُّ غرفةٍ فيه كأنَّها معبدٌ مُقدَّسٌ ، أو كأنَّها محرابٌ .
تحت هذا الحرفِ امرأةٌ ، أوَّلُ حرفِها صباحٌ ، وآخرُ حرفِها صباحٌ ، تستيقظُ في عينيها المعاني الغامضةُ ، وتغفو في صدرِها الأسرارُ .
تحت هذا الحرفِ امرأةٌ من شوقٍ ، يروي عطشَ الشَّوقِ ، من حبٍّ يروي ظمأَ الحُبِّ .
تحت هذا الحرفِ أسئلةٌ ، وأسرارٌ ، لا أعرفُ هل من طينِ البشرِ ، أم من نورِ الملائكةِ ، أم من خيوطِ الشَّمسِ .
تحتَ هذا الحرفِ حبٌّ يُرتِّلُ أُنشودةَ القدرِ للعاشقينَ ، يتغلغلُ في مسامِ الخريفِ ، فيصيرُ الخريفُ ربيعاً ، وتخضرُّ كلُّ الأوراقِ الصَّفراءِ .
تحتَ هذا الحرفِ خيامٌ من ظِلالِها ، أُقيمُ فيها بين صورتينِ : هي ، وأُمِّي .
تحتَ هذا الحرفِ أحتجبُ ، أختفي لأراكِ بعيداً عن عيونِ الواشينَ ، والحاسدينَ ، والقامعينَ لأحلامِ الرَّغيفِ .
تحتَ هذا الحرفِ ، أراني كلَّما انفصلتُ عنكِ ، صرتُ منكِ .
تحتَ هذا الحرفِ ، لا أرى حبَّكِ إلا جسداً آخرَ لي .
تحتَ هذا الحرفِ أراكِ نبعاً ، وأراكِ رداءً ، كلَّما يلبسُني أحترقُ ، فأعودُ كأنِّي الفينيقُ .
تحتَ هذا الحرفِ ، عيناكِ تُفجِّرُ لغتي ، فيذهبُ الوجعُ ، ويذهبُ من خلايا لغتي الألمُ .
تحتَ هذا الحرفِ ، تتَّقدُ ناري ، لعلَّها تُضيءُ الدُّروبَ للباحثينَ عن الحُريَّةِ ، والخلاصِ .
تحت هذا الحرفِ أراني هناكَ ، أسألُ لغتي كيف أنجبتكِ نبتةَ الخلودِ ، نصفُها نارٌ ، ونصفُها ماءٌ وهواءٌ .
تحت هذا الحرفِ أقرأُ الحبَّ في الماءِ ، وأرى النَّارَ تشربُ الماءَ ، فأصيرُ بخاراً ، ثمَّ غيمةً تأخذُها الرِّيحُ إليكِ ، فتصيرُ كلمةً كأنَّها رقصةُ المطرِ ، أو ارتعاشةُ الرِّيح .
تحتَ هذا الحرفِ كتبتكِ قصيدةَ حبٍّ خالدةٍ ، قبل أن يُولدَ على الشِّفاهِ أوَّلُ حرفٍ .
تحتَ هذا الحرفِ ، أتيتُكِ منذ أوَّلِ أسطورةِ ماءٍ ، قبلَ أن تُشقَّ الأرضُ ، وقبل أن تكونَ البحارُ ، وقبل أن تكونَ الأنهارُ .
تحتَ هذا الحرفِ أحفرُ ، أبحثُ عن ماءٍ يروي ظمئي إليكِ ، أبحثُ عن نارٍ بحجمِ شوقي إليكِ .
تحتَ هذا الحرفِ سأُريقُ دمَ الوقتِ ، لتكوني أنتِ الوقتُ ، وسأمحو كلَّ الجهاتِ لتكونَ الجهاتُ أنتِ .
تحتَ هذا الحرفِ تُقيمُ السَّماءُ ، هي صدركِ حين يكونُ صدركِ ، هو المأوى وهو المآلُ .
د.ع /\
ليست هناك تعليقات: