لم تعد يدي مستعدّة للبناء بقلم محمود طارقي تونس


صفّقت للخراب،
ولم تعد يدي مستعدّة للبناء مرّة أخرى...
فداخل عقلي العالم نقطة صغيرة جدّا
لأني خصّصت كل مساحته الأخرى للعدم،
وخارج عقلي العالم واسع جدا
ولا عدم فيه
إلّا جسدي...
أنا والعالم كنّا وحيدين دائما،
حتى بعد أن ولدت أنتِ...
وُلدتِ
كما يولد اللّيل من أعمدة النّور المعطّلة،
ويولد الغد من القطارات التي تشقّ المساء وصولا إلى الصباح،
وتولد الخطيئة من انزياح بسيط بالجمال
كأن أحفظ مؤخّرة امرأة
وأنسى وجهها،
وتولد الموسيقى من أصابعنا المتوتّرة التي يحرّكها القلق
فننقر بها على أي جسم
دون أن ننتبه إلى الإيقاع الذي أحدثته،
ويولد الصّمت من الدّماء التي تتجمّع على الأرض
ثم يكسوها الغبار وتتخثّر
حتى تأخذ شكل صرخة،
وتولد الحياة
هكذا
من أيّ شيء
حتّى من كلب يمشي على سور مقبرة،
ويولد السّلام
هكذا
من كلّ شيء
حتى من مصافحة عابرة في جنازة،
ويولد الأبيض من أب يفكّر في حليب أطفاله،
وتولد الغربة من السّتائر التي تحرّكها الرّيح أمام أبواب كلّ البيوت التي لا أعرفها،
وتولد الأوبئة
لأنّ المرض مجانيّ
وأسعار الدّواء مرتفعة...
ككلّ هذا ولدت أنتِ
مع خصلة شقراء رافقت صرختك الأولى
حتّى صارت الآن أطول وأكثف
لتنساب على خدّك وتشهد على ضحكتك...
ومن دمائنا التي تنزف في الحقول ومقالع الحجارة
سيولد أحمر شفاهك
ليعوّضنا عن تعبنا كلّما ابتسمت.
لم تعد يدي مستعدّة للبناء بقلم محمود طارقي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 29 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.