قراءة في نص مرايا الوجود للشاعرة السورية أفين حمو

 قصيدة "مرايا الوجود" للشاعرة السورية أفين حمو تنبض بأحاسيس عميقة تتأرجح بين الألم، الخوف، والبحث عن المعنى في ظل الوجود الغامض والمظلم. الشاعرة تنسج نصها بلغة مليئة بالحزن والأسى، حيث تتنقل بين تجارب ذاتية مؤلمة وتأملات فلسفية عن الحياة والموت، مما يفتح الباب للتحليل الأدبي والبحث عن التأثيرات التي ربما استلهمتها في هذا النص.


1. التأثر بالوجودية:

القصيدة تحمل الكثير من السمات الوجودية، حيث تتحدث عن العبث واليأس والشعور بالعزلة أمام العالم. هذه الرؤية تتلاقى مع فلسفة **جان بول سارتر** و**ألبير كامو** اللذين قدما الوجودية كفلسفة تعالج هذه الأفكار، مثل البحث عن المعنى في عالم يبدو غير مفهوم أو معادٍ. الطفلة التي تبكي كل ليلة، والدمية التي تبحث عن لمسة حياة، كلها إشارات إلى الضياع والبحث عن جوهر الوجود.


2. صوت الموت والتلاشي:

الموت كعنصر متكرر في القصيدة يوحي بتأثر الشاعرة بأصوات شعراء آخرين مثل **السياب** و**نزار قباني** في تناولهم للموت كحقيقة حاضرة دائماً في الحياة اليومية. الصورة المتعلقة بالقبر البعيد الذي يضيء، تذكرنا بالأسلوب الرمزي الذي استخدمه العديد من الشعراء في الحديث عن الموت كجزء من رحلة الحياة، وفي بعض الأحيان كمخرج أخير من الألم والعبث.


3. التأثر بالشعر الصوفي:

في تأملات أفين حمو عن السماء الزرقاء والصلاة المرفوعة إلى الأعلى، نجد صدى للأفكار الصوفية. الشعر الصوفي يعبر عن الروح التي تسعى للاتصال بالمطلق والخروج من دائرة المعاناة الأرضية. هناك شيء من الحنين إلى ما هو أسمى وأبعد، ربما تأثرًا بالشعراء الصوفيين مثل **جلال الدين الرومي**، حيث يتكرر البحث عن السكينة والحقيقة عبر الألم والمعاناة.


4. الأنوثة المعذبة:

الشاعرة تتحدث بلسان امرأة تحاصرها القيود الاجتماعية والعاطفية، وهو ما يظهر في حديثها عن الإهانة التي تأكل كبرياءها والدموع التي تذرفها وسادتها. هذه الأفكار تذكرنا بشعر **سعاد الصباح** و**نازك الملائكة**، حيث يتكرر الصراع بين الذات الأنثوية والقيود المفروضة عليها، سواء كانت مجتمعية أو شخصية.


5.التأثر بالشعر السوري المعاصر:

لا يمكن إغفال التأثير المباشر للشعراء السوريين المعاصرين مثل **محمود درويش** و**أدونيس**، حيث نجد نفس النفس الحرّ واللغة الغنية بالصور المجازية القوية التي تعكس الأزمات الوجودية والسياسية. في كثير من المقاطع، هناك تقاطع بين الوجع الفردي والألم الجماعي، وهي سمة بارزة في الشعر السوري الحديث، حيث يجمع الشاعر بين الأبعاد الشخصية والعامة.


الخلاصة:

قصيدة "مرايا الوجود" لأفين حمو تمزج بين الوجودية والصوفية، مع لمسات من الألم الشخصي والبحث عن المعنى. قد تكون متأثرة بشعراء مثل نازك الملائكة والسياب ونزار قباني في التعبير عن الألم والموت، كما يمكن أن نرى فيها أثراً من الفكر الوجودي لدى سارتر وكامو.


مرايا الوجود 


سيمنحك العالم

المزيد من الألم  

في كل ليلة  

ستتمنى لو كنت ذرات ملح تحت المطر  

تذوب في عتمة العالم  


**2**  

كان عليك أن تراني  

حينما تسلل الخوف إلى عروقي  

من تهديد عينيه  

وتحديقه المشؤوم  

أيقنت ساعتها أنه غضب الرب  

احتشدت الأضداد في رأسي  

مئات المعارك  

بينما كل الطرق تتآمر عليّ  

وتفضي بي إلى لا شيء  

سألت نفسي  

كان يكفي أن يُكتب اسمي على المقبرة المقفلة  

كأنني ظل منبوذ  


**3**  

حينما أجلس واليقظة  

تنتظر عودتك من جولاتك المؤجلة  

أشعر بالإهانة تأكل كبريائي  

الجالس على كرسيه العجوز  

وسادتي تبكي وحدها  

فتسقط دموعها  

في عيون أحلامي  

المترملة  

ونافذة الترقب تفتح  

ذراعيها لتستقبل واجب العزاء  


**4**  

في مثل هذا اليوم منذ مئة ألف وجع  

كنت سريعة التشتت  

حبيسة الصمت  

لم أفلح في أن أكونك  

لذا سكنني العبوس  

واحتلني السأم  

ونام في منتصفي حلم لا يأتي  

كرسي المدولب عجزت أن أمد له أجنحة  

الآلاف من المسامير تشدني  

إلى مساء  

لا أرى منه إلا مساء يدير ظهره للآخر  

كأن الليل لا يتوقّف  


**5**  

سأموت قبل أن يدرك الجيران  

الطفلة التي كانت تجهش بالبكاء كل ليلة  

كانت دمية رثة  

تبحث عن لمسة حياة  


**6**  

لا أعرف ما المقصود من كلمة سكن  

هل السكن هنا هم ساكنوه  

أم حبة دواء أو طقم أسنان  

كل ما أعرفه أنني أحب أن أتطلع إلى السماء الزرقاء  

التي تحمل أحلاماً غير مكتملة  

ولتكسب أصدقاء جدد  

تلعب معهم بالطائرات الورقية  

كأنها صلوات مرفوعة إلى الأعلى  


**7**  

لكل حكاية في بدايتها  

سعادة في أبهى حال  

وليس بالضرورة أن يرخي الليل سدوله  

في نهايتها  

كأن الفرح مجرد مرور عابر  


**8**  

في كل ليلة إذا أردت  

ستجد بيتاً مضاء عند نهاية شارع في مدينة صغيرة  

من بينهما  

القبر الذي يضيء بما يكفي  

لكنه يظل بعيداً  

بين حين وآخر  


**9**  

في الطفولة كنت أحلم دوماً بالبط  

في المراهقة كنت أحلم بالقبل  

في الشباب بالنوارس وهي تشارك البحر رؤيته  

أما الآن  

فأسأل نفسي:  

وأنا أمعن النظر إلى سلة المهملات  

ما الجدوى أن نسمع عن السعادة  

دون أن نسند رأسنا لجدارها الصغير المضاء  

كأن السعادة مجرد وهم في عتمة الأمل



قراءة في نص مرايا الوجود للشاعرة السورية أفين حمو Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 27 سبتمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.