راعي أحزان بقلم صابر محمد تونس


لما سألتني المعلمة ذاك السؤال الخطير : ماذا تريد أن تصبح في المستقبل ؟
طأطأت رأسي و بصوت منخفض تجنبا لسخرية زملائي ، قلت : راعي أغنام
راعي أغنام مثل أبي
كان أبي راعيا معروفا في القرية
بل هو الوحيد تقريبا الذي يقوم بهذه المهنة
كان مع كل فجر يقود من خمسين إلى مئة رأس الي أعلى الجبل ( كلها لأصحابها طبعا )
ليعود مع غروب الشمس
و كنت ، ما ان أراه نازلا ، أركض وسط الحوش صارخا : عاد أبي ،، عاد أبي
كان يعود منهكا خائر القوى
لكن ، لا بأس
كان يتقاضى راتبا شهريا يكفي احتياجاتنا كعائلة من أربعة أفراد
اليوم ،
و بعد أن أتى الجفاف في القرية على الأخضر و يابس
لم تعد هناك أغنام ليرعاها
نزل الى العاصمة ليشتغل مع أبناء عمه في حضائر البناء
أما أنا فقد كبر حلمي في أحضان الفقر و تعاشرا طويلا
و كما يقال ، كانت الأرضية ملائمة لينجبا للعائلة الكثير من الأحزان
دزينة ، تقريبا ، اقتسمناها بالتساوي
قلت : و أخيرا سأحقق حلمي
ها أنا ، مع منتصف كل ليلة
أقود أحزاني الى أعلى الشعر ، ( ستة أحزان كلها لي طبعا ..)
لأعود صباحا منهك المشاعر ،خائر الأعصاب
لكن ، لا طفل لي ليركض وسط الغرفة ،صارخا : عاد أبي ، عاد أبي
و إذا لم أعد
اعلمي أن غيابك ، ذاك الذئب الشرس
التهمني و أحزاني ..
راعي أحزان بقلم صابر محمد تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 08 أغسطس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.