فلسفة الخيال والفكر بين الحقيقة والتوهم عند الأعمى ....بقلم فوزية أوزدمير/ سوريا



فلسفة الخيال والفكر بين الحقيقة والتوهم عند الأعمى

تختلط الرؤية في بعض الأحيان في تعريف الخيال وفي وصف ارتباطه بالعقل والروح ..
فقيّل أو يقال :
هو إحدى قوى العقل التي يتخيل بها الأشياء عند غيابها
وقيل أنّه :
التصور أو التوهم لشيء غير موجود هو أول خطوات الإبداع
ومنهم من عرفه على أنّه :
قوة ذات نشاط ذهني توحد بين القلب / والعقل ، بين الوعي / واللاوعي
تثار بحافز عميق ، يصحبها انفعال منظم ، لتنتج صوراً وأشكالاً تعبّر عن تجارب متجاذبة متنافرة ، لكنها منظمة منسجمة وتؤلف كُلاً واحداً
هذا عند العالم المرئيّ ليس سوى مخزن للصور والإشارات التي تظلّ بحاجة إلى من يكتشفها ، إلى أن يأتي الحيال ويهيئ لها مكانها ويضفي عليها قيمتها
فالخيال في كل الأحوال ذو تأثير فاعل وفريد ، عند مناصفته بيت المبصر / والكفيف
وبذلك وعلى سبيل المثال ، مثال " الليمونة "
فإذا قمنا بتخيل صورة لشريحة ليمون طازجة ، مع ذكر الوصف لبضعةِ لحظاتٍ ، فسنشعر على الفور بشيء من الحموضة ، يسري في فمنا ويحفز الغدّد اللعابيّة لدينا
وهذا المعادل الموضوعي يحدث أيضاً عند الآخر " الأعمى "
فلاحظ عزيزي القارئ هنا خطورة ما يستطيع به الخيال ، فقد استطاع أن يحدث تأثيراً ما ، حتى بدون أن نحرك أي عضو مادي ظاهر من جسدنا ، فقس على ذلك وتأمل
وكذلك بالنسبة إلى النمو النفسي للمعوق بصرياً فهو لا يختلف عنه عند المبصرين ، ويمكن القول أنّ المعوق بصرياً لا يواجه صعوبات انفعاليّة متميزة عن الآخرين ، ربما هناك بعض الاختلافات السيكولوجيّة حتى عند كليهما
كذلك الاضطرابات الانفعالية التي قد تظهر لدى المعوق بصرياً ، هي ذاتها التي يمكن أن يتعرض لها " المبصر " مع فرق في الدرجة ، بحكمة ما
يتعرض لها المعوق بصرياً وذلك من ضغوط خارجية أكثر من أن تكون داخليّة ، ولو صادفت ووجدت ، فيمكن بالتعاون مع المحيط الأسري أن يتخطاها ، مع توافق " الذات " النفسيّة في تقبل ذلك
كون المعوق البصري أكثر عرضة من أقرانه المبصرين ، للقلق ، خاصة في مرحلة المراهقة ، نظراً لعدم تبلور الصورة لمستقبله المهني
وفي كلّ الأحوال لا يختلف المعوق بصرياً عن أقرانهم المبصرين ، فيما يتعلق بالقدرة على العلم
والمعوق بصرياً يحلم كسائر البشر تماماً ، ويتخيل ويفكر بعقله ، لكن ليس بالطريقة نفسها التي يحلم بها " المبصر "
فأحلام المكفزفين مزيج من المعلومات " الحسيّة " التي تترجمها له حواسه ، وتحتلف درجة الحلم وعمقه بوقت الإصابة بفقدان البصر ..
فعلى سبيل المثال : الشخص المعاق ولادياً يحلم كالآخرين ، لكنه لا يرى " صوراً " في الحلم ، لأنه ببساطة لا يوجد لديه ذاكرة تصويريّة ، حتى يستنبط منها ما مرّ أمامه في الحلم ؛ وإنما تعتمد أحلامه على قوة حواسه الأخرى ك / الشم / الرائحة واللمس /
هناك دراسات أفادت أنّ الأعمى يمكن أن يتخيل أشكالاً في أحلامه ، تماماً كما يتخيل الطفل وحوشاً " سمع " بها من القصص الخياليّة التي تروى له قبل نومه
أما الذي فقد بصره بعد فترة من الإبصار لأيّ سببٍ كان ، فيشاهد صوراً تعتمد على فترة إبصاره ؛ إذ ينحصر الحلم لديه في/ أشكال / وألوان / محدودة ويتلاشى الوضوح تدريجياً مع مرور الوقت ، وتقل الأشكال والألوان في أحلامه إلى أن تصبح مبهمة المعالم ، حينها فقط يعتمد في حلمه على حواسه أيضاً
وأخيراً وليس آخراً ، على الرغم من اختلاف الطبيعة الحسيّة بين أحلام المعاق بصرياً / والمبصر ، فإنها لا تختلف في شعور الحالم بها ، بل تعطي شعور المبصر نفسه خلال حلمه وإن كان كفيفاً
أنّ الخيال يرتبط في عمله على الحواس كأساس يستمد منه مادته ، ليقوم بتشكيل صوره المتخيلة ، وكإشارة بسيطة لفهم أهمية ذلك
أنّك لن تستطيع تخيل صورة " الليمونة " ما لم تختبر قبل ذلك معرفة مواصفاتها
لونها الأصفر أو الأخضر / الحموضة / بأحد حواسك ( بصر أو ذوق /  سمع أو لمس )
حتى تحصل تلك الصورة عنها في خيالك والتي قمت بجمع مفرداتها من إدراكاتك الحسيّة ، ندرك  بالتالي فإنّ الخيال لا يقوم بدون الحسّ
فيعتبر الخيال كعلاج نفسي ومحفز لفاقديّ البصر ، وأحياناً لفاقديّ القدرة على التخيل
فالخيال كما يقول الشيخ الجليل " ابن عربي " :
لا موجود ولا معدوم ، ولا معلوم ولا مجهول ، ولا منفي ولا مثبت
أنّه "برزخ " وحضرة جامعة
فهو مجال للإمكانيات اللامتناهيّة التي لا يمكن إدراك مدى اتساعها ، أو كيفية آلية عملها ، أو حقيقة كينونتها بالمنطق العقلي
فالخيال عين الكمال ، وإنّ العلامة الحقيقية على الذكاء ، ليست المعرفة ، بل القدرة على التخيل
فالخيال الذي لا يراه سوى المكفوفين هو :
خيال لا تحده أطر ولا يقف في وجهه جدار .
فلسفة الخيال والفكر بين الحقيقة والتوهم عند الأعمى ....بقلم فوزية أوزدمير/ سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 04 سبتمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.