نهاية شارع الحب ..هيثم الأمين / تونس


 نهاية شارع الحب

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل أن أصير مطرا حمضيّا

فأسيل على وجوه البنايات الرّماديّة

وتمسحني عنها دون فرح

وأهطل على الشّرفات العارية دون ان تصفّق لهطولي

ودون أن تدعو الله

أن أتواصل لأطول وقت ممكن..

قبل أن أصير مطرا حمضيّا

فأتآمر مع الغبار ودخان السّيّارت

على سطوح المدينة

وعلى المزاريب

كنت شارعا يباع فيه الورد

وحبوب التّسالي المحمّصة وهدايا للذّكرى...

كنتُ شارعا يلتقي العشّاق في مقاهيه

أو يعبرونه إلى الجسر؛

الجسر الذي صنعه عاشق من ضلوعه لتعبر حبيبته إلى أحلامها...

قبل أن أصير مطرا حمضيّا

فأصير مشكلة بيئيّة تؤرّق مسؤولي المدينة

كنتُ ذلك الشّارع

وكان في ساحتي الصّغيرة

رجل عجوز أبكم

يعزف على الكمان مقطوعات لـ"موزارت" و" أندريه ريو"

و"رضا القلعي"

وفي آخر العرض

كان يقدّم حلوى "الكراميل" لأجمل عاشقيْنِ

صاحبي أحمل رقصة!

كنتُ شارعا يعجّ بالعيون المتلألئة،

بالضّحكات، بالأصابع المتشابكة

وبالقصائد واللون الأحمر

وكنتُ أحمل أسماء كثيرة

كان أجملها: شارع الحب.

قبل أن أصير مطرا حمضيّا

تعاديه أشجار المدينة و عصافيرها

كنتُ شارعا 

يعبره العشّاق إلى قبلاتهم الملتهبة

أعدّ أصابع النّهر

وأصنع  من الرّيح طائرات شراعيّة

ترعى قطعان  الأحلام الورديّة في سماء الله الفسيحة

وأصنع من الأضواء المنعكسة على صفحة الماء

زوارق صغيرة تسافر بأمنيات العشّاق إلى المدن التي لا يذهب إليها البرد

وزهور نيلوفر

كلّ زهرة يتعانق داخلها عاشقان يعيدا عن عيون الخارجين عن الحب...

قبل أن أصير مطرا حمضيّا

تتّقيه أصص الحبق والقرنفل و النعناع بحمل مطّّارات سوداء

ولا تمشي تحته العاشقات خوفا على نضارة بشراتهن

كنت شارعا لا يصدّق خرافة الموتى؛

الموتى الذين يأتون على متن النّهر

ليكسروا الجسر ويُغرِقوا زوارق الضّوء و النّيلوفر

وكنتُ لا أصدّق، أيضا، أنّ المدن قد تحمل حقائبها

وتهاجر

لكنّ الحرب

حين رقصت في ساحتي الصّغيرة

والتهمت العجوز عازف الكمان الأبكم و كلّ حلوى "الكراميل" التي كانت في جيوبه

رأيتُ النّهر يغيّر جلده !!

صار جلد النّهر –الجديد- سميكا جدّا وأحمر

وكان الموتى الذين جاؤوا من النّهر

يركضون على أرصفتي

ويمزّقون كلّ ألبومات الصّور التي كانت تعبُرُني

إلى مقهى

أو إلى الجسر

ولأنجو

تعلّقت بالطّائرات الشّراعيّة التي كنت أصنها من الرّيح

وصرتُ سحابة حمراء،

في السّماء،

كلّما باغتني حزن

هَطَلْتُ مطرا حمضيّا....

نهاية شارع الحب ..هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 17 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.