تجاعيد قبل الأوان ...بقلم عبدالسلام سنان / ليبيا
تجاعيد قبل الأوان: (محاكاةٍ صامتة لامرأةٍ مغرورة تقهر ذاتها)
أنا لستُ ككل العابرين الذين مروا من هناك، أكتبُ ببدائيةٍ حاشدة، أقفُ بثباتٍ على شفيرِ صباحاتكِ المحايدة، أرقّعُ هزائم البارحة بلغةٍ فجّة. أنتِ كنتِ قلتها ذات شجن، أنا قصيدة أخيرة تقطر خلفها قيامة من جحيم وعذاب، لستُ أولِيَّ الدُّبُرَ! أكتُبكِ بذاتٍ منسيّة الوعي، في ليْلٍ مهيمنٍ، وتكتبينني بثرثرةٍ تكشفُ عن عوار سحيق، وعرج يفضحُ خُطى الفكرة، إناؤكِ ينضحُ غيظكِ المكتوم، يخرجكِ عن سياقات القداسة اللغوية، تتبرّجُ مفرداتك النّزِقة، وينهركِ حبِّيَ العظيم، ورغبة مكتظة تنازعكِ عن نفسٍ خطّاءةٍ بلا جريرة، أما أنا الآن فأمجُّ لفافة الملل، أعاقرُ قهوتي وغليوني، تتنقّعُ شفاهي في لسْعةِ كافايين البلل، صدى اللثم، نعناع حرفٍ هزّهُ أخضر القضم، فوق كتفِ الضوء، ترمي العتْمة هجعتها الموحشة، يبلغُ الأرق الدامي منتهاه، كنايٍّ كسير الوجد، تلفحهُ غيماتكِ الساهرة، حين أيْنع غصن الشمس، عند آخِرِ مداءات الشغف اللهوف، عند قيامةِ المطر، يصهلُ الزفير نزاهة الزعفران ونبيذاً تخرُّ له جِباه القصائد، فداحة الانطفاء المسرف حيث دوّن أولى خطوط تجاعيد الزمن القاسي فوق شفتكِ الرقيقة وتحت أنفكِ المكابر، كسلطانةٍ عثمانية ترمّلت في أحضان الباب العالي، إنه العراء القاسي، بل إنه التلاشي وهول فجيعة لا يصلحها عطّار التاريخ، ولا تفلح عرّافة أطلسية أن تعيد اشراقتها الليلكية، حفنة شغفٍ بقصيدتي تجرحك، وظِلالُ صمتكِ تقتلني، معادلة ظالمة، سأعيدكِ إلى رشدكِ أيتها الآثمة.!
2
ما أقسى أن تنصاع للريح، حين تنصتُ بشغفٍ لأنين ثرثرةِ صفصافة كهلةٍ معمّرة، كشكوى الدهور الآثمة وأنتَ على أطلالِ العتمة الذابلة، كحزنٍ موحش ينزلق لذاتك التعيسة، تجرُّ ذيول أحلامك البغيضة، تدسُّ في جيبِ معطفك الممزّق، خطكَ المخنوق هي باختصار لهفتك المكبوتة بالتجشؤ والتقيؤ، مثقلٌ بقوافل النسيان، شارد في خواء مكين، بيديك الناحلتين تصفعُ طفلك المشاكس المتدفق كشلال أمازوني قاتم كغيمةٍ ضاجعها الرعد قبل موسم اللقاح، التاريخ أبدي التواتر، يهزم الضوء، متكئ على أثداءِ الشمس وضوضاء الذاكرة الوارفة بالنسيان، تتكوّر أزمنة المنافي كسربِ جراد جائع، ينهش نبقٌ غبي عند جداول الملح، تتشظّى مدن الموت وهي تبحث عن شقٍّ لآخر هروب من رئةِ الأرض كي تُسمع لهاث الثكالى، غضَّ صبيان الزقاق الطرف عن مواعيد الفرح وأقواسِ العيد، صمّتْ آذان النجوم عن نداءاتهم الصاخبة، كُلّما نسجوا أحلامهم من رؤى الخيال ليكتمل عسف الانتظار.
سردية عسيرة الولادة:
منذ ألفٍ سنةٍ ضوئية، وأنا أتكئُ على عصا الأرق والأرضة تسابق ظِلّها، أتعثّرُ في حصى الدروب الرملية وهي تبتلعُ نخاع حقل نخيلي، في غابة الصبّار، ليس ثمّة وجوه بانورامية، الملامح بوذية الحزن، نافرة الندوب، تمجُّ أفيون الموت البطيء، محشوّة بالقنب الهندي، القات ينفخُ أشداق الوهن، الخُرافة حكايا أسطورية، الفكرة جدار الفراغ وخواء السراب، المساء الجليل وحده يرتّبُ وجوه النسوة العابرات إلى ضفّةِ الرحيل، المغيبون وحدهم من يرشقون الشمس بأحذيتهم المتسلّخة، يصرخون ملء حناجرهم المحشرجة، كأنهم يتنافسون مع صدى الأودية السحيقة، يسابقون ظلالهم الممدّدة إلى أقاصي المنافي والنداءات الموغلة في التأرجح حتى آخر التلاشي في جُبِّ الغموض، الغيم اللزج ينشر ثقبه الأسود، الممعن في أوزون النهايات المؤجلة، كقطرات الضوء المُدلاّة من سقفِ العُزلة الراسخة، جلجلة الصهيل ترسم بعدا ثلاثي الزوايا، تتكوّر زلزلة البراكين الهاربة إلى تجاويف جيولوجية الرسوب، كنهدٍ إغريقي، له أبجدية النمش الحنطي، القصيدة الخلاسية تفكُّ طلاسم عتمة الوجع، حين تغزو قوافل النيازك، صهد الفلاة الأبيّة.
عبد السلام سنان
#الملف_الليبي
التصميم و النشر في مجانين قصيدة النثر
سمر لاشين
تجاعيد قبل الأوان ...بقلم عبدالسلام سنان / ليبيا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
12 فبراير
Rating:
ليست هناك تعليقات: