المكان السّليم لرأسي ....بقلم هيثم الأمين / تونس
المكان السّليم لرأسي !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا أشبهكم تماما؛
أنا نسخة منكم مطابقة للأصل بشهادة الدولة
و بشهادة القابلة
التي صفعت مؤخّرتي،
بعنف،
ليلة وصلتُ متأخّرا جدّا لأنّ قطار المخاض تعطّل بسبب العاصفة
فاضطرّت للسّهر قرب أمّي
رغم أنّ زوجها أعلمها حين خروجها،
صباحا،
أنّه يشتهيها
و بشهادة كلّ الأبراج العاجيّة التي تتحدّث عن الشّعر و الفنّ و الفلسفة
و تظنّ أنّ العالم يلعق أحذيتها
فتحوّلت لديكتاتوريّات صغيرة تمارس حكمها في مدن الهوامشْ.
أنا أشبهكم تماما
رغم أنّي أعاني من رأسي !!
لا، أنا لا أعاني من الصّداع أو الشّقيقة
و لا أعاني، على ما أظن، من ورم في الرّأس
و لكنّي
عاجز عن تحديد مكان سليم لرأسي !!!
طبيب التّشريح،
صديق معي في الفايسبوك،
يقول بأنّ المكان الطبيعيّ و السّليم للرأس
هو
بين الكتفين
و لكنّي لم أستسغ هذا؛
فبين الكتفين تكون رأسي شبه ثابتة
و بالتالي، أكون، دائما، مضطرّا لرؤية الأمور من زاوية واحدة !
على رصيف وحدتي الطّويل،
صادفتُ امرأة تؤمن بتعدّد الحكايات
و هي من أخبرتني أنّ المكان الطّبيعيّ للرأس
يكون بين الفخذين !!
قالت:
مكانها هناك، سيجعل اللعبة أكثر متعة
أكثر خيالا
و سيكون قضيبك أكبرْ
و ضحكتْ كثيرا جدّا
و لم أرها من يومها !!!
حبيبتي،
التي نجتْ منّي بأعجوبة،
كان رأيها مغايرا.
لقد علّمتني أنّ المكان السّليم للرّأس
يكون في الصّدرْ !
كانت تقول:
يجب أن تكون رؤوسنا في صدورنا
لنحبّ بطريقة مختلفة جدّا
و لنفترق بوجع قليل جدّا.
الآن،
صرتُ أدركُ أنّ حبيبتي كانت تحمل رأسها في صدرها !!
العاشق السّكران
الذي تدلّى من سقف غرفته ليضيء غرفة حبيبته
قال لي:
المكان الوحيد الذي يجب أن تضع فيه رأسك
هو حضن امرأة تحبّها و تحبّك.
ثمّ دفع الطاولة من تحت رجليه و أضاء.
بعض الإجابات كانت مضحكة جدّا؛
كإجابة الرّجل الذي كان يقفز من نافذة بيته
ليطير دون مظلّة أو جناحين أو حتّى مكنسة طائرة.
لقد أخبرني
أنّ المكان السّليم للرأس يكون في المؤخّرة !!!
كان يشرح لي الأمر كعالم حقيقيّ
و لكنّي لا أتذكّر إلّا قوله:
شحم المؤخّرة سيحمي رأسك من الارتطامات العنيفة.
منذُ شهرين، سمعت أنّه قفز من أعلى بناية في المدينة
و مع الأسف،
لم تحم شحوم مؤخّرته رأسه من التحطّم و ماتْ !
الرّصيف، الطّريق الاسفلتي، سكّة الميترو
و دوريّات الشّرطة
كلّهم نصحوني
بأن أضع رأسي تحت إبطي
و أركضْ...
الكلب الضّال الذي ينبح طول الليل عند نافذتي
كان يقسم لي أنّ المكان المناسب لرأسي هو حاوية القمامة.
شجرة التّين
أخبرتني، مرّة، أنّ كلّ بذرة يجب أن تُطمر في الأرض
لتنمو شجرة أو غابة
ثمّ غمزتني
و أردفت: رأسك بذرة.
جزّار القرية ضحك كثيرا من سؤالي عن المكان السّليم لرأسي
ثمّ قال:
ضعها في الفريزر و أخرجْ
رغم أنّي لا أظنّ أنّ هناك من سيشتري منّي رأسا مستهلكة !!!
التاجرُ، بائع الخرداوات، قال لي:
سأدفع لك فيها ضعف ما دفعه لك الجزّار،
أُتركها هناكْ.
و أشار بإصبعه إلى كومة نوافذ.
بائع الأنتيكا المغروم بالفن
قال لي بالحرف الواحدْ:
رأسك تصلح لوحة تعلّق على جدار؛
رأسك لوحة تمزج بين البوهيميّة و السّرياليّة و رسوم رجل الكهوف !!
و أنا...
مازلتُ عاجزا عن تحديد المكان السّليم لرأسي !!!!
المكان السّليم لرأسي ....بقلم هيثم الأمين / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
05 أبريل
Rating:
ليست هناك تعليقات: