ثمانمئة واثنان وثلاثون يوماً ...بقلم عبدالله بليجان السمعو/ سوريا
ثمانمئة واثنان وثلاثون يوماً
لم تكن مرضاً
ولكنّها كانت المهلة التي أستغرقتُ بها العودة للأرض مُجدَّداً
لم يكن رعداً
كان صوتَ إرتطامي بالأرض
لم تكن وشماً
ولكنَّها كانت ضماداتٍ أُغطّي بها وعوداً من قماش
فقدرُ القماشِ أن يبلى أو يُمزّق
لم تكن إنتظاراً
فلرُبّما يُسلّي المرءُ نفسهُ بشيءٍ ما أثناءَ إنتظارهِ
كانت فراغاً مائِلاً
ثُمَّ سجناً دائِرياً
ثُمَّ سجناً ضيّقاً وسِلكاً شَائِكاً
ثُمَّ زنزانةً وباباً من حديد
وثُقباً لا يكفي لأُطلقَ حمامةً من صدري
ثُمَّ زنزانةً مفردة لا ثُقبَ فيها
ثُمَّ زنزانةً تكفي لجُرذٍ
فَصِرتُهُ كي لا أموت
لم تكن حرباً
غير أنّي كنتُ أَرى توابيتَ لا تُنذر بموتٍ طبيعي
ثُمّ أصبَحَتْ مقبرةً واسعة
ثُمَّ كنتُ أنا
ثُمَّ فهمتُ سببَ سعادةِ المرءِ حينما يَحظَى بقبرٍ واحد
لم تكن خُذلاناً
ولكنّها كانت إرتجاف الإيمان داخلي
ثُمَّ سقوطهُ
ثُمَّ تزاحم مَوَالي الفزع بي
لم تكن هُجراناً
ولكنَّها كانَت وخزاً خفيفاً
ثُمَّ ريشاً يُنتَف
ثم أجنحةً تُنتزَع
ثُمّ أسراباً تغادرني
ثُمّ بيضاً تَكسَّر
ثُمَّ عفناً
ثُمَّ ديداناً تبعثُ خدراً دائماً في دمي
لم تكن عُزلة
ولكنها كانت صراعَ الطِّينِ مع الأسئلة
وكنتُ أفصلُ بيني وبين سؤالي
وأحتارُ في أمرِ عُنقي
فما أحولُ بيني وبين يديهِ
حتى يبكي مجدّداً عليهِ
عنقي إسوارة
وسؤالي صائغٌ يُغالي في الصِّياغة
لم يكن بكاءً
ولكنّي رأيتُ عينيَّ مِراراً في المَرايا يملؤها الزُّجاج
يُمَالِئُ الرَّملُ كفّي
والرَّملُ أصلُ الزُّجاج
لم تكن ندماً
ولكنّها كانت بحراً
وأخترتُ أن أمشي على ماء
فكان حظّي من الكنزِ
عشر أصابعَ من الملحِ
لم تكن أغانيَ
ولكنّها كانت كأصواتِ الإذاعاتِ حينما يعمّها التّشويش
ثمَّ كُنتُ الهدوء
ثُمَّ أكتشفتُ أنّي أبكم
ثُمَّ حاولتُ التَّعايشَ مع نقصي هذا
والتعبيرَ بِلُغةِ الإشارة
ثُمَّ تذكَّرتُ أنِّي نسيتُ يديَّ بيديكِ يومَ الفراق
لم تكن إحتراقاً
غيرَ أني رأيتُ الغابةَ في قلبي
وهيَ تكبر
ثُمَّ تكبر
ثُمَّ تكثر
ثُمَّ يبتلِعُ نباتُها قلبي
ثُمَّ تَعلُو
ثُمَّ تعلقُ في حلقي
ثُمَّ يَجِفُّ خشَبُها فيه
لم تكن عطشاً
غير أني أدركتُ أنّي كنتُ أحاول قطع الصَّحراءِ
بسيفٍ من ماء
لم تكن غباء
ولكنَّها كانت شعورَ الإنتماء
كانت حُبّاً
غيرَ أنّكِ لم تعودي المسألة
أَمَا والله إنِّ هذا ما أُطِيق
وما حملتُ نفسي على ما حملتهُ إلّا حُبَّاً بكِ
وأشهِدُ الله أنّي فعلتُ ولم أُمنن
وأنّي أسررتُ من الفعلِ أكثرَ مِمَّا قد ذِيعَ وبَدَا
وأخترتُ ألَّا أوثّقَ ما فعلتُ
لئلّا يُقالَ
يُرائي بِحُبِّهِ لها
أو أُكْبِرَ ما فعلتُ فتأخُذني العزَّة ويطغى الكبرياء
فاختَرتِ ألّا تَرَيْ ما بَدَا
وألّا تشعري بما كتمتهُ
ولو هيَّئ اللهُ النُّطقَ للأشياءِ لفاضَ ما حولكِ بالأَدِلّة فلا تستطيعين دفعها عنكِ أو دحضَها
وأكثرتُ في حُبّك وغلَوْتُ فيهِ حتّى لم يبقَ بي
وزنٌ لِسواكِ
وكثُرتِ بي حتَّى لم يبقَ مِنِّي شيئاً إلّا وكنتِ فيهِ أكثرهُ
فما استشارني القلبُ يوماً حيرةً
وما أستشرتُهُ بكِ إلّا وقالَ أقربُ مَن رأيتُ إلى الكمال
والنَّقصُ فيها يُضفي جمالاً للجَمال
وأنّي جافيتُ وأستغيتُ وكثُرَتْ الغِلظَةُ بي حتى انفَضَّ الصَّحْبُ من حولي وأنا كنتُ فِيهم العزيز النَّفيس
وما ذُكِرَ اسمي إلّا وكان الجنونُ نَسَبِي
فما أكترثتُ وما خشيتُ في حُبّكِ لومةَ لائمٍ
وما رُفِعَ دعاءٌ من فم صائمٍ كما رفعتُكِ
وما تعاركَ دُعاءٌ وقدرٌ في السّماءِ كما تعاركَ دعائي بعودتكِ وقدرُ خسارتي لكِ
وما عزفتُ عن الكتابةِ كُلَّ هذا
إلَّا خوفاً مِن أن تُشَاكِي بحرفٍ مِنّي دُونَ قصد
ولِئلّا يُقالَ عنّي استثمرَ حزنهُ فيها فكانت منفعتُهُ من حزنهِ بفراقها أكثرَ من منفعتِهِ بسعادتهِ معها
وإنّي نظرتُ ما آنست
وأستنصَرتُ عودتكِ وما نُصِرت
فسلامٌ على ما كانَ مِنَّا
وسلامٌ على إمرأةٍ ستأتي ذاتَ يومٍ تكونُ كُفْئاً
تُبرِئ ثلمةَ قلبي وتمسحُ عليهِ برفق
ثمانمئة واثنان وثلاثون يوماً ...بقلم عبدالله بليجان السمعو/ سوريا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
12 مايو
Rating:
ليست هناك تعليقات: