انتحار داخل رأسي! ...هيثم الأمين / تونس
انتحار داخل رأسي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رجل غريب يقطن داخل رأسي !
لا يحمل معه اسما و لا وجها
و يرفض أن يكون بيننا عقد إيجار !
رجل غريب يقطن داخل رأسي؛
منذ أربعين عاما و هو يقيم هناك؛
وحيدا و لا أحد يزوره
و لا يدفع لي الإيجار !!
هذا الشّهر، سأطرده إن لم يدفع، لي، مستحقّاتي كاملة !
رجل غريب يقطن داخل رأسي؛
يفتح عينيّ، كلّ صباح، بمزاج معكّر
و لا يقول لي: صباح الخير
و لا يسألني إن نمتُ جيّدا
و إن كان قد زارني، أحد ما، في أحلامي !
ثمّ يجلس على أرنبة أنفي،
فيشرب قهوة باردة و يدخّن كثيرا!
سأطرده إن لم يقلع عن التّدخين!
بعد أن ينهي قهوته، يغادر رأسي
و كلّ يوم، ينساه مفتوحا! !
سأطرده، غدا، لو نسي رأسي مفتوحا.
عند المساء، يرجع، وحيدا، كعادته
و كعادته،
يعود حاملا كيسا على ظهره!
نعم؛ لقد سألته كثيرا عمّا يحمله داخل الكيس
و كان يبتسم
و يجيب: أرصفة عبرتها و تفاصيل صغيرة.
نعم؛ أنا، أيضا، أظنّ أنّه يكذب
فذاكرته ضعيفة جدّا،
هو ينسى، يوميّا، رأسي مفتوحا،
فكيف يتذكّر كلّ الأرصفة التي عبرها و التفاصيل الصغيرة؟!
سأطرده إن لم يرني، مساء الغد، ماذا يوجد في الكيس!
يدخل من فمي،
يغلقه جيّدا،
ثمّ يجلس في الرّكن الوحيد لرأسي...
أمام طاولة صغيرة، يخرج دفترا من ظهره
و يكتب، فيه، كثيرا جدّا! !
أنا... لم أقرأ، يوما، ما يكتبه
و لكنّي إن اكتشفت أنّه يكتب مقالات سياسيّة
فحتما، سأطرده من رأسي!
حين ينهي الكتابة، يتمدّد على سرير قديم؛
يغمض عينيه و لا ينام...
أنا متأكّد أنّه يمارس العادة السّرّيّة، كلّ ليلة
فذلك العطر الأنثويّ الذي يفوح من جلده كلّما فعل ذلك
يفضحه..
أنا... لن أقبل أن يتواعد مع امرأة، داخل رأسي
و سأطرده إن صحّ ظنّي! !
يقول بائع الحليب:
مؤجرّك يخفي محطّة تحت السّرير.
جارتي الخمسينيّة
تؤكّد لي أنّها رأته يرمي قطارا في القمامة! !
تقول أصص الحبق في شرفة جارتي العشرينيّة:
مؤجّرك رجل وقح.
إنّه يتلصّص على سيّدتنا من وراء عينك اليسرى !
جارتي العشرينيّة،
تبتسم كلّما سألتها
و تقول: أصص الحبق لا تتكلّم.
سأطرده...
نعم، سيّدي المحقّق
لقد وجدته، هذا الصّباح، يتدلّى من سقف رأسي
و لم أجد، تحت سريره، محطّة
و لم أجد الدّفتر الذي يخبّئه في ظهره
و الكيس... كان فارغا!
نعم، سيّدي المحقّق
لقد كان يتدلّى من ضفيرة ربطها في سقف رأسي
و على الطاولة ورقة صغيرة
كتب فيها: سأخونك!
لا، سيّدي المحقّق؛
أنا ما كنت لأطرده
فأنا... أدرك جيّدا
أنّه كان رجلا لا يعلم من أين جاء
و لا يملك شيئا ليدفعه مقابل قلب يسكنه.
ليست هناك تعليقات: